{ والتفت الساق بالساق } قال قتادة : الشدة بالشدة . وقال عطاء : شدة الموت بشدة الآخرة . وقال سعيد بن جبير : تتابعت عليه الشدائد ، وقال السدي : لا يخرج من كرب إلا جاءه أشد منه . قال ابن عباس : أمر الدنيا بأمر الآخرة ، فكان في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة . وقال مجاهد اجتمع فيه الحياة والموت . وقال الضحاك : الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه . وقال الحسن : هما ساقاه إذا التفا في الكفن . وقال الشعبي : هما ساقاه إذا التفا عند الموت .
وقوله - تعالى - : { والتفت الساق بالساق } أى : وأيقن هذا المحتضر ، أو توقع أن نهايته قد اقتربت ، وأنه عما قليل سيودع أهله وأحبابه . . وسيفارقهم فراقا لا لقاء بعده ، إلا يوم يقوم الناس الناس للحساب .
وقوله - تعالى - : { والتفت الساق بالساق } أى : والتوت والتصقت إحدى ساقيه بالأخرى . عند سكرات الموت وشدته ، فصارتا متلاصقين لا تكاد إحداهما تتزحزح عن الأخرى ، فكأنهما ملتفتان .
ويصح أن يكون المعنى : والتفت الساق بالساق عند وضع هذا الذى أدركه الموت فى كفنه ، لأن هذا الكفن قد ضم جميع جسده ، والتصقت كل ساق بالأخرى .
ومنهم من يرى أن هذه الآية الكريمة : كناية عن هول الموت وشدته كما فى قوله - تعالى - : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } والعرب لا تذكر الساق إلا فى المحن والشدائد العظام ، ومنه قولهم : قامت الحرب على ساق .
قال صاحب الكشاف : " والتفت " ساقه بساقه والتوت عليها عند الموت ، وعن قتادة : ماتت رجلاه فلا تحملانه وقد كان عليهما جوالا . وقيل : التفت شدة فراق الدنيا بشدة إقبال الآخرة ، على أن الساق مثل فى الشدة .
وبهذا الإسناد ، عن ابن عباس في قوله : { وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ } قال : التفت عليه الدنيا والآخرة . وكذا قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ } يقول : آخر يوم في الدنيا ، وأول يوم من أيام الآخرة ، فتلتقي الشدة بالشدة إلا من رحم الله .
وقال عكرمة : { وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ } الأمر العظيم بالأمر العظيم . وقال مجاهد : بلاء ببلاء . وقال الحسن البصري في قوله : { وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ } هما ساقاك إذا التفتا{[29566]} . وفي رواية عنه : ماتت رجلاه فلم تحملاه ، وقد كان عليها جوالا . وكذا قال السدي ، عن أبي مالك .
وفي رواية عن الحسن : هو لفهما في الكفن .
وقال الضحاك : { وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ } اجتمع عليه أمران : الناس يجهزون جسده ، والملائكة يجهزون روحه .
وقوله : وَالْتَفّتِ السّاقُ بالسّاقِ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : والتفّت شدّة أمر الدنيا بشدّة أمر الاَخرة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : ثني أبي ، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس وَالْتَفّتِ السّاقِ قال : الدنيا بالاَخرة شدّة .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَالْتَفّتِ السّاقُ بالسّاقِ يقول : آخر يوم من الدنيا ، وأوّل يوم من الاَخرة ، فتلتقي الشدّة بالشدّة ، إلا من رحم الله .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وَالْتَفّتِ السّاقُ بالسّاقِ يقول : والتفّت الدنيا بالاَخرة ، وذلك ساق الدنيا والاَخرة ، ألم تسمع أنه يقول : إلى رَبّكَ يَوْمَئِذٍ المَساقُ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثنا الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : وَالْتَفّتِ السّاقُ بالسّاقِ قال : التفّ أمر الدنيا بأمر الاَخرة عند الموت .
حدثنا أبو كريب وأبو هشام ، قالا : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد ، قال : آخر يوم من الدنيا ، وأول يوم من الاَخرة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَالْتَفّتِ السّاقُ بالسّاقِ قال : قال الحسن : ساق الدنيا بالاَخرة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن مجاهد ، قال : هو أمر الدنيا والاَخرة عند الموت .
حدثني عليّ بن الحسين ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن أبي سنان الشيباني ، عن ثابت ، عن الضحاك في قوله : وَالْتَفّتِ السّاقُ بالسّاقِ قال : أهل الدنيا يجهزون الجسد ، وأهل الاَخرة يجهزون الروح .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن الضحاك ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن الضحاك ، قال : اجتمع عليه أمران : الناس يجهّزون جسده ، والملائكة يجهزون روحه .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : ساق الدنيا بساق الاَخرة .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا جعفر بن عون ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، مثله وزاد : ويقال : التفافهما عند الموت .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية قال : الدنيا والاَخرة .
قال : ثنا ابن يمان ، عن عبد الوهاب بن مجاهد ، عن أبيه ، قال : أمر الدنيا بأمر الاَخرة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَالْتَفّتِ السّاقُ بالسّاقِ قال : أمر الدنيا بأمر الاَخرة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة والْتَفّتِ السّاقُ بالسّاقِ قال : الشدّة بالشدّة ، ساق الدنيا بساق الاَخرة .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سألت إسماعيل بن أبي خالد ، فقال : عمل الدنيا بعمل الاَخرة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سلمة ، عن الضحاك ، قال : هما الدنيا والاَخرة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَالْتَفّتِ السّاقُ بالسّاقِ قال : العلماء يقولون فيه قولين : منهم من يقول : ساق الاَخرة بساق الدنيا . وقال آخرون : قلّ ميت يموت إلا التفّت إحدى ساقيه بالأخرى . قال ابن زيد : غير أنّا لا نشكّ أنها ساق الاَخرة ، وقرأ : إلى رَبّك يَوْمَئِذٍ المَساقُ قال : لما التفّت الاَخرة بالدنيا ، كان المساق إلى الله ، قال : وهو أكثر قول من يقول ذلك .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : التفّت ساقا الميت إذا لفتا في الكفن . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا بشير بن المهاجر ، عن الحسن ، في قوله : والْتَفّتِ السّاقُ بالسّاقِ قال : لفّهما في الكفن .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا وكيع وابن اليمان ، عن بشير بن المهاجر ، عن الحسن ، قال : هما ساقاك إذا لفّتا في الكفن .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع عن بشير بن المهاجر ، عن الحسن ، مثله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : التفاف ساقي الميت عند الموت . ذكر من قال ذلك :
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا داود ، عن عامر وَالْتَفّتِ السّاقُ بالسّاقِ قال : ساقا الميت .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب وعبد الأعلى ، قالا : حدثنا داود ، عن عامر ، قال : التفّتْ ساقاه عند الموت .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني ابن أبي عديّ ، عن داود ، عن الشعبيّ ، مثله .
حدثني إسحاق بن شاهين ، قال : حدثنا خالد ، عن داود ، عن عامر ، بنحوه .
حدثنا أبو كريب وأبو هشام قالا : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن حصين عن أبي مالك وَالْتَفّتِ السّاقُ بالسّاقِ قال : عند الموت .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن السديّ ، عن أبي مالك ، قال : التفّت ساقاك عند الموت .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : وَالْتَفّتِ السّاقُ بالسّاقِ : لفّهما أمر الله .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر قال : قال الحسن : ساقا ابن آدم عند الموت .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل السديّ ، عن أبي مالك وَالْتَفّتِ السّاقُ بالسّاقِ قال : هما ساقاه إذا ضمت إحداهما بالأخرى .
حدثنا ابن بشار وابن المثنى ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة وَالْتَفّتِ السّاقُ بالسّاقِ قال قتادة : أما رأيته إذا ضرب برجله رجله الأخرى .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَالْتَفّتِ السّاقُ بالسّاقِ : ماتت رجلاه فلا يحملانه إلى شيء ، فقد كان عليهما جوّالاً .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن السديّ ، عن أبي مالك وَالْتَفّتِ السّاقُ بالسّاقِ قال : ساقاه عند الموت .
وقال آخرون : عُنِيَ بذلك يبسهما عند الموت . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن السديّ ، عن أبي مالك وَالْتَفّتِ السّاقُ بالسّاقِ قال : يبسهما عند الموت .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن السديّ ، مثله .
وقال آخرون : معنى ذلك : والتفّ أمر بأمر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب وأبو هشام قالا : حدثنا وكيع ، قال : حدثنا ابن أبي خالد ، عن أبي عيسى وَالْتَفّتِ السّاقُ بالسّاقِ قال : الأمر بالأمر .
وقال آخرون : بل عنى بذلك : والتفّ بلاء ببلاء . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا عبيد الله ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، قال : بلاء ببلاء .
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة عندي قول من قال : معنى ذلك : والتفّت ساق الدنيا بساق الاَخرة ، وذلك شدّة كرب الموت بشدّة هول المطلع والذي يدّل على أن ذلك تأويله ، قوله : إلى رَبّكَ يَوْمَئِذٍ المَساقُ والعرب تقول لكلّ أمر اشتدّ : قد شمرّ عن ساقه ، وكشف عن ساقه ومنه قول الشاعر :
إذَا شَمّرَتْ لَكَ عَنْ ساقها *** فَرِنْها رَبِيعُ وَلا تَسأَم
عنى بقوله : الْتَفّتِ السّاقُ بالسّاقِ : التصقت إحدى الشّدّتين بالأخرى ، كما يقال للمرأة إذا التصقت إحدى فخذيها بالأخرى : لفّاء .
واختلف في معنى قوله { والتفت الساق بالساق } ، فقال ابن عباس والحسن والربيع بن أنس وإسماعيل بن أبي خالد هذه استعارة لشدة كرب الدنيا في آخر يوم منها وشدة كرب الآخرة في أول يوم منها لأنه بين الحالين قد أختلطا له ، وهذا كما تقول شمرت الحرب عن ساق{[11484]} ، وعلى بعض التأويلات في قوله تعالى :
{ يوم يكشف عن ساق }{[11485]} [ القلم : 42 ] وقال ابن المسيب والحسن : هي حقيقة ، والمراد ساق الميت عند تكفينه أي لفهما الكفن ، وقال الشعبي وأبو مالك وقتادة : هو التفافهما بشدة المرض لأنه يقبض ويبسط ويركب هذا على هذا ، وقال الضحاك : المراد أسوق حاضريه من الإنس والملائكة لأن هؤلاء يجهزون روحه إلى السماء وهؤلاء بدنه إلى قبره .
وقوله : { والتفَّت الساقُ بالساق } إن حمل على ظاهره ، فالمعنى التفافُ ساقَي المحْتضر بعد موته إذ تُلَفُّ الأَكفان على ساقيْه ويُقرن بينهما في ثوب الكفن فكُلُّ ساق منهما ملتفة صحبةَ الساق الأخرى ، فالتعريف عوض عن المضاف إليه ، وهذا نهاية وصف الحالة التي تهيَّأ بها لمصيره إلى القبر الذي هو أول مراحل الآخرة .
ويجوز أن يَكون ذلك تمثيلاً فإن العرب يستعملون الساق مثلاً في الشدة وجِدّ الأمر تمثيلاً بساق الساعي أو الناهض لعمل عظيم ، يقولون : قامت الحرب على ساق .
وأنشد ابن عباس في قول الراجز :
صبرا عنـاق إنـه لـشـربـاق *** قد سن لي قومك ضرب الأعناق
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يعني التف أمر الدنيا بالآخرة، فصار واحدا كلاهما.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛
فقال بعضهم: معنى ذلك: والتفّت شدّة أمر الدنيا بشدّة أمر الآخرة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: التفّت ساقا الميت إذا لفتا في الكفن.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: التفاف ساقي الميت عند الموت.
وقال آخرون: عُنِيَ بذلك يبسهما عند الموت.
وقال آخرون: معنى ذلك: والتفّ أمر بأمر.
وقال آخرون: بل عنى بذلك: والتفّ بلاء ببلاء.
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة عندي قول من قال: معنى ذلك: والتفّت ساق الدنيا بساق الآخرة، وذلك شدّة كرب الموت بشدّة هول المطلع، والذي يدّل على أن ذلك تأويله، قوله:"إلى رَبّكَ يَوْمَئِذٍ المَساقُ"، والعرب تقول لكلّ أمر اشتدّ: قد شمرّ عن ساقه، وكشف عن ساقه.
المراد بقوله: {والتفت الساق بالساق} أي التفت شدة مفارقة الدنيا ولذاتها وشدة الذهاب، أو التفت شدة ترك الأهل، وترك الولد، وترك المال، وترك الجاه، وشدة شماتة الأعداء، وغم الأولياء، وبالجملة فالشدائد هناك كثيرة، كشدة الذهاب إلى الآخرة والقدوم على الله، أو التفت شدة ترك الأحباب والأولياء، وشدة الذهاب إلى دار الغربة.