قوله تعالى : { وأخذهم الربا وقد نهوا عنه } ، في التوراة .
قوله تعالى : { وأكلهم أموال الناس بالباطل } ، من الرشا في الحكم ، والمآكل التي يصيبونها من عوامهم ، عاقبناهم بأن حرمنا عليهم طيبات ، فكانوا كلما تركبوا كبيرة حرم عليهم شيء من الطيبات التي كانت حلالً لهم ، قال الله تعالى : { ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون } [ الأنعام :146 ] .
وقوله : { وَأَخْذِهِمُ الربا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ الناس بالباطل } بيان للون آخر من رذائلهم وقبائحهم . أى : ومن أسباب تحريم بعض الطيبات عليهم ولعنهم ، أخذهم الربا مع نهيهم عنه على ألسنة رسلنا ، وأكلهم اموال الناس بالباطل ، أى على طريق الرشوة والخيانة ، والسرقة وغير ذلك من سائر الوجوه المحرمة .
وما حملهم على هذا الولوغ فى المحرمات بشراهة وعدم مبالاة إلا أنانيتهم وبيعهم الدين بالدنيا . وقوله . { وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ } جملة حالية فى محل نصب .
قال الآلوسى . وفى الآية دلالة على أن الربا كان محرما عليهم كما هو محرم علينا لأى النهى يدل على حرمة المنهى عنه ، وإلا لما توعد - سبحانه - على مخالفته .
تلك هى بعض العقوبات التى عاقبهم الله بها فى الدنيا . أما عقوبة هؤلاء اليهود فى الآخرة فقد بينها - سبحانه - فى قوله { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } .
أى : وهيأنا وأعددنا للكافرين من أولئك اليهود الذين فسدت نفوسهم عذابا موجعا أليما ، جزاء ظلمهم وفسوقهم عن أمر الله .
وقوله { لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ } احتراس قصد به إخراج من آمن منهم من هذا العذاب الأليم ، لأن العذاب إنما هو للكافرين منهم فسحب ، أما من آمن منهم كعبد الله بن سلام وأشباهه فلهم أجرهم عند ربهم .
وقد أكد - سبحانه - هذا المعنى بعد ذلك ، بأن أكرم من يستحق الإِكرام منهم ، وبشره بالأجر بالعظيم فقال ، { لكن الراسخون فِي العلم مِنْهُمْ والمؤمنون يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً } .
بذلك يحسم القرآن الكريم قصة الصلب . ثم يعود بعدها إلى تعداد مناكر اليهود ؛ وما نالهم عليها من الجزاء الأليم في الدنيا والآخرة .
( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم . وبصدهم عن سبيل الله كثيرا . وأخذهم الربا وقد نهوا عنه . وأكلهم أموال الناس بالباطل . وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليمًا ) . .
فيضيف إلى ما سبق من مناكرهم هذه المنكرات الجديدة : الظلم . والصد الكثير عن سبيل الله . فهم ممعنون فيه ودائبون عليه .
وأخذهم الربا - لا عن جهل ولا عن قلة تنبيه - فقد نهوا عنه فأصروا عليه ! وأكلهم أموال الناس بالباطل . بالربا وبغيره من الوسائل .
بسبب من هذه المنكرات ، ومما أسلفه السياق منها . . حرمت عليهم طيبات كانت حلالا لهم . وأعد الله للكافرين منهم عذابا أليمًا .
وهكذا تتكشف هذه الحملة عن كشف طبيعة اليهود وتاريخهم ؛ وفضح تعلاتهم وعدم الاستجابة للرسول وتعنتهم ؛ ودمغهم بالتعنت مع نبيهم وقائدهم ومنقذهم ؛ ويسر ارتكابهم للمنكر وجهرهم بالسوء في حق الأنبياء والصالحين . بل قتلهم والتبجح بقتلهم ! وتسقط بذلك وتتهاوى دسائس اليهود في الصف المسلم وكيدهم ومكرهم وحبائلهم . وتعرف الجماعة المسلمة - ما ينبغي أن تعرفه الأمة المسلمة في كل حين - عن طبيعة اليهود وجبلتهم ، ووسائلهم وطرائقهم ؛ ومدى وقوفهم للحق في ذاته سواء جاء من غيرهم أو نبع فيهم . فهم أعداء للحق وأهله ، وللهدى وحملته . في كل أجيالهم وفي كل أزمانهم . مع أصدقائهم ومع أعدائهم . . لأن جبلتهم عدوة للحق في ذاته ؛ جاسية قلوبهم ، غليظة أكبادهم لا يحنون رؤوسهم إلا للمطرقة ! ولا يسلمون للحق إلا وسيف القوة مصلت على رقابهم . .
وما كان هذا التعريف بهذا الصنف من الخلق ، ليقصر على الجماعة المسلمة الأولى في المدينة . فالقرآن هو كتاب هذه الأمة ما عاشت ، فإذا استفتته عن أعدائها أفتاها ، وإذا استنصحته في أمرهم نصح لها ؛ وإذا استرشدت به أرشدها . وقد أفتاها ونصح لها وأرشدها في شأن يهود ، فدانت لها رقابهم . . ثم لما اتخذته مهجورا دانت هي لليهود ، كما رأيناها تتجمع فتغلبها منهم الشر ذمة الصغيرة ، وهي غافلة عن كتابها . . القرآن . . شاردة عن هدية ، ملقية به وراءها ظهريا ! متبعة قول فلان وفلان ! ! وستبقى كذلك غارقة في كيد يهود وقهر يهود ، حتى تثوب إلى القرآن . .
( وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً )
وقوله : وأخْذِهِمُ الرّبا وهو أخذهم ما أفضلوا على رءوس أموالهم لفضل تأخير في الأجل بعد مَحِلها . وقد بينت معنى الربا فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته . وقَدْ نُهُوا عَنْهُ : يعني عن أخذ الربا .
وقوله : وأكْلِهِمْ أمْوَالَ النّاسِ بالباطِلِ يعني : ما كانوا يأخذون من الرشا على الحكم ، كما وصفهم الله به في قوله : وَتَرَى كَثِيرا مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الإثْمِ والعُدْوَانِ وأكْلِهِمُ السّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ وكان من أكلهم أموال الناس بالباطل ما كانوا يأخذون من أثمان الكتب التي كانوا يكتبونها بأيديهم ، ثم يقولون : هذا من عند الله ، وما أشبه ذلك من المآكل الخسيسة الخبيثة . فعاقبهم الله على جميع ذلك بتحريمه ما حرّم عليهم من الطيبات التي كانت لهم حلالاً قبل ذلك . وإنما وصفهم الله بأنهم أكلوا ما أكلوا من أموال الناس كذلك بالباطل بأنهم أكلوه بغير استحقاق وأخذوا أموالهم منهم بغير استيجاب ، فقوله : وأعْتَدْنا للكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابا ألِيما يعني : وجعلنا للكافرين بالله وبرسوله محمد من هؤلاء اليهود العذاب الأليم ، وهو الموجع من عذاب جهنم ، عدة يصلونها في الاَخرة ، إذا وردوا على ربهم فيعاقبهم بها .
وقوله تعالى { وبصدهم عن سبيل الله كثيراً } يحتمل أن يريد صدهم في ذاتهم ، ويحتمل أن يريد صدهم غيرهم ، وإلى هذا ذهب الطبري ، وقال : هو جحدهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم صدوا بذلك جمعاً عظيماً من الناس عن سبيل الله { وأخذهم الربا } : هو الدرهم بالدرهمين إلى أجل ونحو ذلك مما هو مفسدة ، وقد نهوا عنه فشرعوه لأنفسهم واستمروا عليه من ذلك ، ومن كراء العين ونحوه ، وأكل أموال الناس بالباطل : هو الرشى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.