البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَأَخۡذِهِمُ ٱلرِّبَوٰاْ وَقَدۡ نُهُواْ عَنۡهُ وَأَكۡلِهِمۡ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِۚ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (161)

{ وأخذهم الربا وقد نهوا عنه } وهذه جملة حالية تفيد تأكيد قبح فعلهم وسوء صنيعهم ، إذ ما نهى الله عنه يجب أن يبعد عنه .

قالوا : والربا محرم في جميع الشرائع .

{ وأكلهم أموال الناس بالباطل } أي الرشا التي كانوا يأخذونها من سفلتهم في تحريف الكتاب .

وفي هذه الآية فصلت أنواع الظلم الموجب لتحريم الطيبات .

قيل : كانوا كلما أحدثوا ذنباً حرم عليهم بعض الطيبات ، وأهمل هنا تفصيل الطيبات ، بل ذكرت نكرة مبهمة .

وفي المائدة فصل أنواع ما حرم ولم يفصل السبب .

فقيل : ذلك جزيناهم ببغيهم ، وأعيدت الباء في : { وبصدهم } لبعده عن المعطوف عليه بالفصل بما ليس معمولاً للمعطوف عليه ، بل في العامل فيه .

ولم يعد في : { وأخذهم } وأكلهم لأن الفصل وقع بمعمول المعطوف عليه .

ونظير إعادة الحرف وترك إعادته قوله : { فبما نقضهم ميثاقهم } الآية .

وبدىء في أنواع الظلم بما هو أهم ، وهو أمر الدّين ، وهو الصد عن سبيل الله ، ثم بأمر الدنيا وهو ما يتعلق به الأذى في بعض المال ، ثم ارتقى إلى الأبلغ في المال الدنيوي وهو أكله بالباطل أي مجاناً لا عوض فيه .

وفي ذكر هذه الآية امتنان على هذه الأمة حيث لم يعاملهم معاملة اليهود فيحرم عليهم في الدنيا الطيبات عقوبة لهم بذنوبهم .

{ وأعتدنا للكافرين منهم عذاباً مهيناً } لما ذكر عقوبة الدنيا ذكر ما أعد لهم في الآخرة .

ولما كان ذلك التحريم عامّاً لليهود بسبب ظلم من ظلم منهم ، فالتزمه ظالمهم وغير ظالمهم كما قال تعالى :

{ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } بين أن العذاب الأليم إنما أعد للكافرين منهم ، فلذلك لم يأت وأعتدنا لهم .

/خ176