الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَأَخۡذِهِمُ ٱلرِّبَوٰاْ وَقَدۡ نُهُواْ عَنۡهُ وَأَكۡلِهِمۡ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِۚ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (161)

" وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل " كله تفسير للظلم الذي تعاطوه ، وكذلك ما قبله من نقضهم الميثاق وما بعده ، وقد مضى في " آل عمران{[5126]} " أن اختلاف العلماء في سبب التحريم على ثلاثة أقوال هذا أحدها .

الثانية : قال ابن العربي : لا خلاف في مذهب مالك أن الكفار مخاطبون ، وقد بين الله في هذه الآية أنهم قد نهوا عن الربا وأكل الأموال بالباطل ، فإن كان ذلك خبرا عما نزل على محمد في القرآن وأنهم دخلوا في الخطاب فبها ونعمت ، وإن كان خبرا عما أنزل الله على موسى في التوراة ، وأنهم بدلوا وحرفوا وعصوا وخالفوا فهل يجوز لنا معاملتهم والقوم قد أفسدوا أموالهم في دينهم أم لا ؟ فظنت طائفة أن معاملتهم لا تجوز ؛ وذلك لما في أموالهم من هذا الفساد . والصحيح جواز معاملتهم مع رباهم واقتحام ما حرم الله سبحانه عليهم ، فقد قام الليل القاطع على ذلك قرآنا وسنة ، قال الله تعالى : " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم{[5127]} " [ المائدة :5 ] وهذا نص ؛ وقد عامل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود ومات ودرعه مرهونة عند يهودي في شعير أخذه لعياله{[5128]} . والحاسم لداء الشك والخلاف اتفاق الأمة على جواز التجارة مع أهل الحرب ، وقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم إليهم تاجرا ، وذلك من سفره أمر قاطع على جواز السفر إليهم والتجارة معهم . فإن قيل : كان ذلك قبل النبوة ؛ قلنا : إنه لم يتدنس قبل النبوة بحرام - ثبت ذلك تواترا - ولا اعتذر عنه إذ بعث ، ولا منع منه إذ نبئ ، ولا قطعه أحد من الصحابة في حياته ، ولا أحد من المسلمين بعد وفاته ، فقد كانوا يسافرون في فك الأسرى وذلك واجب ، وفي الصلح كما أرسل عثمان وغيره ، وقد يجب وقد يكون ندبا ، فأما السفر إليهم لمجرد التجارة فمباح .


[5126]:راجع ج 4 ص 134 وما بعدها.
[5127]:راجع ص 75 من هذا الجزء.
[5128]:يلاحظ هذا على شهرته، مع ما صح أنه صلى الله عليه وسلم أمر بتفريق سبعة دنانير كانت له عند عائشة رضي الله عنها وهو في حال الاحتضار. راجع نهاية الأرب ج 18 ص 380.