وقوله : { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا } تأكيد لبعدهم عن النار . وأصل الحسيس الصوت الذى تسمعه من شىء يمر قريبا منك .
أى : هؤلاء المؤمنون الصادقون الذين سبقت لهم من خالقهم الدرجة الحسنى ، لا يسمعون صوت النار ، الذى يحس من حركة لهيبها وهيجانها ، لأنهم قد استقروا فى الجنة ، وصاروا فى أمان واطمئنان .
وقوله - سبحانه - : { وَهُمْ فِي مَا اشتهت أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ } بيان لفوزهم بأقصى ما تتمناه الأنفس بعد بيان بعدهم عن صوت النار .
أى : وهم فيما تتمناه أنفسهم ، وتشتهيه أفئدتهم ، وتنشرح له صدورهم ، خالدون خلوداً أبديا لا ينغصه حزن أو انقطاع .
لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون . ولفظة( حسيسها )من الألفاظ المصورة بجرسها لمعناها . فهو تنقل صوت النار وهي تسري وتحرق ، وتحدث ذلك الصوت المفزع . وإنه لصوت يتفزع له الجلد ويقشعر . ولذلك نجي الذين سبقت لهم الحسنى من سماعه - فضلا على معاناته - نجوا من الفزع الأكبر الذي يذهل المشركين . وعاشوا فيما تشتهي أنفسهم من أمن ونعيم .
القول في تأويل قوله تعالى : { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ } .
يقول تعالى ذكره : لا يسمع هؤلاء الذين سبقت لهم منا الحسنى حَسِيس النار ، ويعني بالحسيس : الصوت والحسّ .
فإن قال قائل : فكيف لا يسمعون حسيسها ، وقد علمت ما رُوي من أن جهنم يُؤْتَي بها يوم القيامة فتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلا جثا على ركبتيه خوفا منها ؟ قيل : إن الحال التي لا يسمعون فيها حسيسها هي غير تلك الحال ، بل هي الحال التي :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِيما اشْتَهَتْ أنْفُسُهُمْ خالِدُونَ يقول : لا يسمع أهل الجنة حسيس النار إذا نزلوا منزلهم من الجنة .
وقوله : وَهُمْ فِيما اشْتَهَتْ أنْفُسُهُمْ خالِدُونَ يقول : وهم فيما تشتهيه نفوسهم من نعيمها ولذّاتها ماكثون فيها ، لا يخافون زوالاً عنها ولا انتقالاً عنها .
ثم قال : أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وابن الجراح ، ثم أقيمت الصلاة فقام يجر رداءه ويقول :{ لا يسمعون حسيسها } وهو بدل من { مبعدون } أو حال من ضميره سيق للمبالغة في إبعادهم عنها ، والحسيس صوت يحس به . { وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون } دائمون في غاية التنعم وتقديم الظرف للاختصاص والاهتمام به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.