فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{لَا يَسۡمَعُونَ حَسِيسَهَاۖ وَهُمۡ فِي مَا ٱشۡتَهَتۡ أَنفُسُهُمۡ خَٰلِدُونَ} (102)

{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ { 98 ) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ { 99 ) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ { 100 ) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ { 101 ) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ { 102 ) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ { 103 ) }

قال ابن عباس : آية لا يسألني الناس عنها ! لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها ، أو جهلوها فلا يسألون عنها ؛ فقيل : وما هي ؟ قال : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } لما أنزلت شق على كفار قريش ، وقالوا : شتم آلهتنا ، وأتوا ابن الزبعري{[2211]} وأخبروه ، فقال : لو حضرته لرددت عليه ؛ قالوا : وما كنت تقول له ؟ قال : كنت أقول له : هذا المسيح تعبده النصارى ، واليهود تعبد عزيرا ، أفهما من حصب جهنم ؟ فعجبت قريش من مقالته ، ورأوا أن محمدا قد خصم{[2212]} ؛ فأنزل الله تعالى : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } وفيه نزل : { ولما ضرب ابن مريم مثلا ) يعني يابن الزبعري { إذ قومك منه يصدون ){[2213]} ، أي : يضجون ؛ ويظهر من هذه الآية أن الناس من الكفار وما يعبدون{[2214]} من الأصنام حطب لجهنم ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : { . . وقودها الناس والحجارة . . ) لو كانت الأصنام آلهة لما ورد عابدوها النار ، ولا وردها ما عبدوه من الأوثان ؛ { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون . لا يسمعون حسيسها } أماالذين سعدوا فيباعد بينهم وبين جهنم ، ولا يسمعون حسها ولا حركتها ولا صوت لهيبها ؛ { وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون } ماكثون أبدا في نعيم دار الكرامة ومقعد الصدق يتمتعون بكل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، { لا يحزنهم الفزع الأكبر } أهوال يوم القيامة والبعث ، { وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون } وتستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون لهم : هذا هو يوم الوعد بالكرامة ، وحلولكم دار المقامة والسلامة .


[2211]:شاعر قرشي كان يهجو رسول الله،ثم هدي إلى الإسلام وحسن إسلامه.
[2212]:أي غلبه خصومه بجدالهم.
[2213]:سورة الزخرف. الآية 57.
[2214]:مما أورد الألوسي: فما عبارة عن أصنامهم، والتعبير عنها على أنها على المشهور لما لا يعقل، فلا يرد أن عيسى وعزيرا والملائكة عليهم السلام عبدوا من دون الله تعالى مع أن الحكم لا يشملهم.. وقال بعضهم: إن {ما} تعم العقلاء وغيرهم، وهو مذهب جمهور أئمة اللغة.. ودليل ذلك: النص، والإطلاق، والمعنى؛ أما النص فقوله تعالى: {وما خلق الذكر والأنثى) ـ من سورة الليل ـ وقوله سبحانه: {والسماء وما بناها) ـ من سورة الشمس ـ وقوله سبحانه: {ولا أنتم عابدون ما أعبد) ـ من سورة الكافرون...اهـ