معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيۡسَ بِظَلَّـٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ} (51)

قوله تعالى : { ذلك } ، أي : ذلك الضرب الذي وقع بكم .

قوله تعالى : { بما قدمت أيديكم } ، أي : بما كسبت أيديكم .

قوله تعالى : { وأن الله ليس بظلام للعبيد } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيۡسَ بِظَلَّـٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ} (51)

وقوله : { ذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } بيان للأسباب التي أدت بهم إلى هذا المصير السئ . وأنهم هم الذين جنوا على أنفسهم بشؤم صنيعهم ، وانقيادهم للهوى والشيطان .

أى : ذلك الذي نزل بكم - أيها الكافرون - من الضرب وعذاب النار ، سببه ما قدمته أيديكم من عمل سئ ، وفعل قبيح ، وقول منكر ، وجحود للحق . وأن الله - تعالى - ليس بذى ظلم لكم ولا لغيركم ، لأن حكمته - سبحانه - قد اقتضت ألا يعذب أحدا إلا بسبب ذنب ارتكبه ، وجرم اقترفه .

فاسم الإِشارة " ذلك " يعود إلى الضرب وعذاب الحريق ، وهو مبتدأ ، وخبره قوله { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } .

والمراد بالأيدى : الأنفس والذوات ، والتعبير بالأيدى عن ذلك من قبيل التعبير بالجزء عن الكل .

وخصت الأيدى بالذكر ، للدلالة على التمكن من الفعل وإرادته ، وأن أكثر الأفعال يكون عن طريق البطش بالأيدى . ولأن نسبة الفعل إلى اليد تفيد الالتصاق به ، والاتصال بذاته .

وقوله : { وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } خبر لمبتدأ محذوف ، والجملة اعتراض تذييلى مقرر مضمون ما قبله .

أى : ذلك الذي نزل بكم سببه ما قدمته ايدكم ، والأمر أن الله - تعالى - ليس بمعذب لعبيده من غير ذنب جنوه .

ويجوز أن يكون معطوفا على ( ما ) المجرورة بالباء . أى : ذلك بسبب ما قدمته ايدكم وأن الله ليس بظلام للعبيد .

قال بعض العلماء : فإن قيل ما سر التعبير بقوله { بِظَلاَّمٍ } بالمبالغة ، مع أن نفي أصل الظلم أبلغ من نفي كثرته ، ونفى الكثرة لا ينفى أصله ، بل ربما يشعر بوجوده ، وبرجوع النفى للقيد ؟ .

وأجيب بأجوبة :

منها : أنه نفي لأصل الظلم وكثرته ، باعتبار آحاد من ظلم ، كأنه قيل ظالم لفلان ولفلان وهلم جرا ، فلما جمع هؤلاء عدل إلى { بِظَلاَّمٍ } لذلك ، أى : لكثرة الكمية فيه .

ومنها : أنه إذا انتفى الظلم الكثير ، انتفى الظلم القليل ، لأن من يظلم يظلم للانتفاع بالظلم ، فإذا ترك كثيره ، مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضر ، كان لقليله مع قلة نفعه أكثر تركا .

ومنها : أن " ظلاما " للنسب كعطار ، أى : لا ينسب إليه الظلم أصلا .

ومنها : أن كل صفة له - تعالى - في أكمل المراتب ، فلو كان - سبحانه - طالما ، كان ظلاما ، فنفي اللازم نفي للملزوم .

ومنها : أن نفي { الظلام } لنفي الظالم ضرورة أنه إذا انتفى الظلم انتفى كماله ، فجعل نفي المبالغة كناية عن نفي أصله ، انتقالا من اللازم إلى الملزوم .

ومنها : أن العذاب من العظم بحيث لولا الاستحقاق لكان المعب بمثله ظلاما بليغ الظلم متفاقمه ، فالمراد تنزيهه - تعالى - وهو جدير بالمبالغة .

وفى صحيح مسلم عن أبى ذر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله - تعالى - يقول :

" يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى ، وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا " .

وبذلك نرى أن هاتين الآيتين قد بينتا حالة المشركين عند قبض أرواحهم بيانا يحمل النفوس على الإِيمان والطاعة لله - تعالى - فقد رسم القرآن رصورة مفزعة لهم ، صورة الملائكة وهى تضرب وجوههم وأدبارهم بأمر من الله - تعالى الذي ما ظلمهم ، ولكنهم هم الذين أحلوا بأنفسهم هذا المصير المؤلم المهين ، حيث كفروا بالحق ، وحاربوا أتباعه ، واستحيوا العمى على الهدى

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيۡسَ بِظَلَّـٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ} (51)

41

( ذلك بما قدمت أيديكم ) . .

وأنتم إنما تلاقون جزاء عادلاً ، تستحقونه بما قدمت أيديكم :

( وأن الله ليس بظلام للعبيد ) . .

وهذا النص - بما يعرضه من مشهد " عذاب الحريق " - يثير في النفس سؤالا : ترى هذا تهديد من الملائكة للذين كفروا بعذاب المستقبل المقرر لهم - كأنه واقع بهم - بعد البعث والحساب ? أم أنهم يلاقون عذاب الحريق بمجرد توفيهم ? . .

وكلاهما جائز ، لا يمنع مانع من فهمه من النص القرآني . . ولا نحب أن نزيد شيئاً على هذا التقرير . . فهو أمر من أمور الغيب الذي استأثر الله بعلمه ؛ وليس علينا فيه إلا اليقين بوقوعه . وهو واقع ماله من دافع . أما موعده فعلم ذلك عند علام الغيوب .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيۡسَ بِظَلَّـٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ} (51)

القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لّلْعَبِيدِ } .

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الملائكة لهؤلاء المشركين الذين قتلوا ببدر أنهم يقولون لهم وهم يضربون وجوههم وأدبارهم : ذوقوا عذاب الله الذي يحرقكم ، هذا العذاب لكم بما قَدّمَتْ أَيْدِيكُمْ أي بما كسبت أيديكم من الاَثام والأوزار واجترحتم من معاصي الله أيام حياتكم ، فذوقوا اليوم العذاب وفي معادكم عذاب الحريق وذلك لكم بأن الله ليس بظلام للعبيد ، لا يعاقب أحدا من خلقه إلا بجرم اجترمه ، ولا يعذبه إلا بمعصيته إياه ، لأن الظلم لا يجوز أن يكون منه . وفي فتح «أن » من قوله : وأن الله وجهان من الإعراب : أحدهما النصب ، وهو للعطف على «ما » التي في قوله : بِمَا قَدّمَتْ بمعنى : ذلك بما قدمت أيديكم ، وبأن الله ليس بظلام للعبيد في قول بعضهم ، والخفض في قول بعض . والاَخر : الرفع على ذلِكَ بما قَدّمَتْ وذلك أن الله .