محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيۡسَ بِظَلَّـٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ} (51)

51 { ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد }

{ ذلك } إشارة إلى ما ذكر من الضرب والعذاب { بما قدمت أيديكم } أي ما كسبتم من الكفر والمعاصي

{ وأن الله ليس بظلام للعبيد } أي بأن يأخذهم بلا جرم .

فإن قيل : ما سر التعبير ب { ظلام } بالمبالغة ، مع أن نفي نفس الظلم أبلغ من نفي كثرته ، ونفي الكثرة لا ينفي أصله ، بل ربما يشعر بوجوده وبرجوع النفي للقيد ؟ .

وأجيب بأجوبة :

منها : أنه نفي لأصل الظلم وكثرته ، باعتبار آحاد من ظلم ، كأنه قيل : ظالم لفلان ولفلان وهلم جرا . فلما جمع هؤلاء عدل إلى { ظلام } لذلك ، أي لكثرة الكمية فيه .

ومنها : أنه إذا انتفى الظلم الكثير انتفى الظلم القليل ، لأن من يظلم للانتفاع بالظلم فإذا ترك كثيره ، مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضر ، كان لقليله مع قلة نفعه أكثر تركا .

ومنها : أن ( ظلاما ) للنسب ، ك ( عطار ) أي لا ينسب إليه الظلم أصلا .

ومنها : أن كل صفة له تعالى في أكمل المراتب ، فلو كان تعالى ظالما ، كان ظلاما ، فنفي اللازم ، لنفي الملزوم .

ومنها : أن نفي ( الظلام ) لنفي الظالم ، ضرورةَ أنه إذا انتفى الظلم انتفى كماله ، فجعل نفي المبالغة كناية عن نفي أصله ، انتقالاً من اللازم إلى الملزوم .

ومنها : أن العذاب من العظم بحيث ، لولا الاستحقاق ، لكان المعذب بمثله ظلاماً بليغ الظلم متفاقمه . فالمراد تنزيهه تعالى ، وهو جدير بالمبالغة .

وأيضا : لو عذب تعالى عبيده بدون استحقاق وسبب ، لكان ظلما عظيما ، لصدوره عن العدل الرحيم . كذا في ( العناية ) .

/ وفي ( صحيح مسلم ) {[4397]} عن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن الله تعالى يقول : إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا . يا عبادي إنما هي إعمالكم أحصيها لكم ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه " . والحديث طويل جليل . معروف ، عند المحدثين ، بالحديث المسلسل بالدمشقيين .


[4397]:من حديث طويل نفيس، قد أفرده شيخ الإسلام بشرح قيم، أخرجه مسلم في : 45 كتاب البر والصلة والآداب، حديث رقم 55 (طبعتنا).