ثم وبخهم - سبحانه - على عدم اعتبارهم بما فى هذا الكون من عبر وعظات فقال : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ } .
والهمزة للاستفهام التقريعى ، والفاء معطوفة على مقدر ، أى : أقبعوا فى مساكنهم فلم يسيروا فى جنبات الأرض ، فيشاهدوا كيف كانت عاقبة المكذبين من قبلهم كقوم عاد وثمود ولوط . . وغيرهم .
وقوله : { دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } جملة مستأنفة ، كأنه قيل : كيف كانت عاقبة الذين من قبلهم ؟ فكان الجواب : دمر الله - تعالى - عليهم مساكنهم وأموالهم ، فالمفعول محذوف للتهويل والمبالغة فى الإِهلاك ، يقال : دمرا لله - تعالى - الأعداء تدميرا ، إذا أهلكهم إهلاكا شديدا . ودمر عليهم ، أى : أهلك ما يختص بهم ، وجاء هنا يكلمة " عليهم " لتضمين التدمير معنى الإِيقاع أو الهجوم .
وقوله : { وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } وعيد وتهديد لهؤلاء الكافرين المعاصرين للنبى - صلى الله عليه وسلم - أى : هكذا كنت عاقبة المجرمين السابقين ، وللكافرين المعاصرين لك - أيها الرسول الكريم - السائرين على درب سابقيهم فى الكفر والضلال والطغيان ، أمثال تلك العاقبة السيئة .
فالضمير فى قوله - تعالى - { أَمْثَالُهَا } يعود إلى العاقبة المتقدمة . وجمع - سبحانه - لفظ الأمثال باعتبار تعدد العذاب الذى نزل بالأمم المكذبة السابقة .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمّرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } .
يقول تعالى ذكره : أفلم يَسِر هؤلاء المكذّبون محمدا صلى الله عليه وسلم ، المنكرو ما أنزلنا عليه من الكتاب في الأرض سفرا ، وإنما هذا توبيخ من الله لهم ، لأنهم قد كانوا يسافرون إلى الشام ، فيرون نقمة الله التي أحلّها بأهل حَجْرِ ثمود ، ويرون في سفرهم إلى اليمن ما أحلّ الله بسَبَأ ، فقال لنبيه عليه الصلاة والسلام وللمؤمنين به : أفلم يسِر هؤلاء المشركون سفرا في البلاد فينظروا كيف كان عاقبة تكذيب الذين من قبلهم من الأمم المكذّبة رسلها الرّادّة نصائحها ألم نهلكها فندمّر عليها منازلها ونخرّبها ، فيتعظوا بذلك ، ويحذروا أن يفعل الله ذلك بهم في تكذيبهم إياه ، فينيبوا إلى طاعة الله في تصديقك ، ثم توعّدهم جلّ ثناؤه ، وأخبرهم إن هم أقاموا على تكذيبهم رسوله ، أنه مُحِلّ بهم من العذاب ما أحلّ بالذين كانوا من قبلهم من الأمم ، فقال : وللْكافِرِين أمْثالهَا يقول : وللكافرين من قريش المكذبي رسول الله صلى الله عليه وسلم من العذاب العاجل ، أمثال عاقبة تكذيب الأمم الذين كانوا من قبلهم رسلهم على تكذيبهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وللْكافرِين أمْثالهَا قال : مثل ما دُمَرت به القرون الأولى وعيد من الله لهم .
تفريع على جملة { والذين كفروا فتعساً لهم } [ محمد : 8 ] الآية ، وتقدم القول في نظائر { أولم يسيروا في الأرض } في سورة الروم ( 9 ) وفي سورة غافر ( 21 ) .
والاستفهام تقريري ، والمعنى : أليس تعس الذين كفروا مشهوداً عليه بآثاره من سوء عاقبة أمثالهم الذين كانوا قبلهم يدينون بمثل دينهم .
وجملة { دمر الله عليهم } استئناف بياني ، وهذا تعريض بالتهديد . والتدمير : الإهلاك والدمار وهو الهلك . وفعل { دمَّر } متعد إلى المدمَّر بنفسه ، يقال : دمرهم الله ، وإنما عدي في الآية بحرف الاستعلاء للمبالغة في قوة التدمير ، فحذف مفعول { دمر } لقصد العموم ، ثم جعل التدمير واقعاً عليهم فأفاد معنى { دمّر } كل ما يختصُّ بهم ، وهو المفعول المحذوف ، وأن التدمير واقع عليهم فهم من مشموله .
وجملة { وللكافرين أمثالها } اعتراض بين جملة { أفلم يسيروا في الأرض } وبين جملة { ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا } [ محمد : 11 ] . والمراد بالكافرين : كفار مكة . والمعنى : ولكفاركم أمثال عاقبة الذين من قبلهم من الدّمار وهذا تصريح بما وقع به التعريض للتأكيد بالتعميم ثم الخصوص .
وأمثال : جمع مِثْل بكسر الميم وسكون الثاء ، وجمع الأمثال لأن الله استأصل الكافرين مرات حتى استقر الإسلام فاستأصل صناديدهم يوم بدر بالسيف ، ويوم حنين بالسيف أيضاً ، وسلط عليهم الريح يوم الخندق فهزمهم وسلط عليهم الرعب والمذلة يوم فتح مكة ، وكل ذلك مماثل لما سلطه على الأمم في الغاية منه وهو نصر الرسول صلى الله عليه وسلم ودينه ، وقد جعل الله ما نصر به رسوله صلى الله عليه وسلم أعلى قيمة بكونه بيده وأيدي المؤمنين مباشرة بسيوفهم وذلك أنكى للعدو . وضمير { أمثالها } عائد إلى { عاقبة الذين من قبلهم } باعتبار أنها حالة سوء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.