مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{۞أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡۖ وَلِلۡكَٰفِرِينَ أَمۡثَٰلُهَا} (10)

وقوله تعالى : { أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم } .

فيه مناسبة للوجه الثالث يعني فينظروا إلى حالهم ويعلموا أن الدنيا فانية .

وقوله { دمر الله عليهم } أي أهلك عليهم متاع الدنيا من الأموال والأولاد والأزواج والأجساد .

وقوله تعالى : { وللكافرين أمثالها } يحتمل وجهين ( أحدهما ) أن يكون المراد لهم أمثالها في الدنيا ، وحينئذ يكون المراد من الكافرين هم الكافرون بمحمد عليه الصلاة والسلام ( وثانيهما ) أن يكون المراد لهم أمثالها في الآخرة ، فيكون المراد من تقدم كأنه يقول : دمر الله عليهم في الدنيا ولهم في الآخرة أمثالها ، وفي العائد إليه ضمير المؤنث في قوله { أمثالها } وجهان ( أحدهما ) هو المذكور وهو العاقبة ( وثانيهما ) هو المفهوم وهو العقوبة ، لأن التدمير كان عقوبة لهم ، فإن قيل على قولنا المراد للكافرين بمحمد عليه السلام أمثال ما كان لمن تقدمهم من العاقبة يرد سؤال ، وهو أن الأولين أهلكوا بوقائع شديدة كالزلازل والنيران وغيرهما من الرياح والطوفان ، ولا كذلك قوم محمد صلى الله عليه وسلم ، نقول جاز أن يكون عذابهم أشد من عذاب الأولين لكون دين محمد أظهر بسبب تقدم الأنبياء عليهم السلام عليه وإخبارهم عنه وإنذارهم به على أنهم قتلوا وأسروا بأيديهم من كانوا يستخفونهم ويستضعفونهم والقتل بيد المثل آلم من الهلاك بسبب عام وسؤال آخر : إذا كان الضمير عائدا إلى العاقبة فكيف يكون لها أمثال ؟ قلنا يجوز أن يقال المراد العذاب الذي هو مدلول العاقبة أو الألم الذي كانت العاقبة عليه .