اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡۖ وَلِلۡكَٰفِرِينَ أَمۡثَٰلُهَا} (10)

ثم خوف الكفار فقال : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ } أي أهلكهم{[51282]} .

قوله : { دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ } يجوز أن يكون حذف مفعوله ، أي أهلك الله بُيُوتَهُمْ ، وخرّبها عليم{[51283]} أو يضمن معنى «دمر » معنى سخط اله عليهم بالتدمير . وقوله : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض } مناسب للوجه الأخير ، يعني فينظروا إلى حالهم ، ويعلموا أن الدنيا فانيةً .

قوله : { وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } أي أمثال العاقبة المتقدمة{[51284]} . وقيل : أمثال العقوبة . وقيل : التدمير . وقيل : الهلكة{[51285]} . والأول أولى لتقدم ما يعود عليه الضمير صريحاً مع صحة معناه .

فإن قيل : إذا عاد الضمير إلى العاقبة فكيف يكون لها أمثال ؟

فالجواب : أن المراد هو العذاب الذي هو مدلول العاقبة ، والألم الذي دلّت العاقبة عليه{[51286]} .

فصل

في المراد بقوله : { وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } وجهان :

أحدهما : أن المراد الكافرون بمحمد عليه الصلاة والسلام .

الثَّانِي : أن المراد أمثالها في الآخرة ، فيكون المراد من الكافرين مَنْ تقدّم ، كأنه يقول : دَمَرَ اللهُ عليهم في الدنيا ولهم في الآخرة أمثالها .

فإن قيل : إذ كان المراد ( من ) الكافرين بمحمد عليه الصلاة والسلام فإنهم أمثال ما كان لمن تقدمهم من العاقبة ، فالأولون أهلكوا بأمور شديدة كالزَّلاَزِلِ والنِّيران والرِّيَاحِ والطُّوفَانِ ، ولا كذلك قوم محمد عليه الصلاة والسلام .

فالجواب : يجوز أن يكون عذابهم أشد من عذاب الأولين ، لكون دين محمد أظهر بسبب تقدم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عليه ، وأخبارهم عنه ، وإنذارهم على أنهم قتلوا وأُسِرُوا بأيدي مَنْ كانوا يَسْتَخِفُّونَهُمْ ويستضعفونهم والقتل بيد المِثل آلم من الهلاك بسبب عام{[51287]} .


[51282]:انظر الرازي 28/49 و50، والبحر المحيط 8/76.
[51283]:قاله القرطبي في الجامع 16/234 وانظر المرجعين السابقين.
[51284]:وهو اختيار الزجاج في المعاني 5/8.
[51285]:الكشاف 3/532 وقال بالعقوبة الرازي فيما نقله عن أحد الأقوال.
[51286]:الرازي 28/50.
[51287]:الرازي السابق.