معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ لَا تُؤَاخِذۡنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرۡهِقۡنِي مِنۡ أَمۡرِي عُسۡرٗا} (73)

قوله تعالى : { قال } موسى { لا تؤاخذني بما نسيت } ، قال ابن عباس : إنه لم ينس ، ولكنه من معاريض الكلام ، فكأنه نسي شيئاً آخر . وقيل : معناه بما تركت من عهدك ، والنسيان : الترك . وقال أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم : " كانت الأولى من موسى نسياناً والوسطى شرطاً والثالثة عمداً " . { ولا ترهقني } ولا تغشني { من أمري عسرا } وقيل : لا تكلفني مشقة يقال أرهقته عسرا ، أي : كلفته ذلك ، يقول : لا تضيق علي أمري ، وعاملني باليسر ، ولا تعاملني بالعسر .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ لَا تُؤَاخِذۡنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرۡهِقۡنِي مِنۡ أَمۡرِي عُسۡرٗا} (73)

ولكن موسى - عليه السلام - رد معتذرا لما فرط منه وقال : { لا تؤاخذنى } أيها العبد الصالح ، بما نسيت ، أى : بسبب نسيانى لوصيتك فى ترك السؤال والاعتراض حتى يكون لى منك البيان . { وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً } أى : ولا تكلفنى من أمرى مشقة فى صحبتى إياك .

يقال : أرهق فلان فلانا . إذا أتعبه وأثقل عليه وحمله ما لا يطيقه .

والمراد : التمس لى عذرا بسبب النسيان ، ولا تضيق على الأمر ، فإن فى هذا التضييق ما يحول بيني وبين الانتفاع بعلمك .

وكأن موسى - عليه السلام - الذى اعتزم الصبر وقدم المشيئة ، ورضى بشروط الخضر فى المصاحبة . . كأنه قد نسى كل ذلك أمام المشاهدة العملية ، وأمام التصرف الغريب الذى صدر من الخضر دون أن يعرف له سببا .

وهكذا الطبيعة البشرية تلتقى فى أنها تجد للتجربة العملية وقعا وطعما ، يختلف عن الوقع والطعم الذى تجده عند التصور النظرى .

فموسى - عليه السلام - وعد الخضر بأنه سيصبر . . . إلا أنه بعد أن شاهد ما لا يرضيه اندفع مستنكرا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ لَا تُؤَاخِذۡنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرۡهِقۡنِي مِنۡ أَمۡرِي عُسۡرٗا} (73)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً } .

يقول عزّ ذكره : قَالَ العالم لموسى إذ قال له ما قال أَلمْ أقُل إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرا على ما ترى من أفعالي ، لأنك ترى ما لم تُحِط به خبرا قال له موسى : لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ . فاختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : كان هذا الكلام من موسى عليه السلام للعالِم معارضة ، لا أنه كان نسي عهده ، وما كان تقدّم فيه حين استصحبه بقوله : فإنِ اتّبَعْتَنِي فَلا تَسألْنِي عَنْ شَيْءٍ حتى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرا . ذكر من قال ذلك :

حُدثت عن يحيى بن زياد ، قال : ثني يحيى بن المهلب ، عن رجل ، عن سعيد بن جبير ، عن أبيّ بن كعب الأنصاريّ في قوله : لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ قال : لم ينس ، ولكنها من معاريض الكلام .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : لا تؤاخذني بتركي عهدك ، ووجه أن معنى النسيان : الترك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن الحسن بن عمارة ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ : أي بما تركت من عهدك .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن موسى سأل صاحبه أن لا يؤاخذِه بِما نسِي فيه عهده من سؤاله إياه على وجه ما فعل وسببه لا بما سأله عنه ، وهو لعهده ذاكر للصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بأن ذلك معناه من الخبر ، وذلك ما :

حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أبيّ بن كعب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تُؤاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ قالَ : «كانَتِ الأُوَلى مِنْ مُوسَى نِسْيانا » .

وقوله : ولا تُرْهِقْنِي مِنْ أمْرِي عُسْرا يقول : لا تُغْشِني من أمري عسرا ، يقول : لا تضيق عليّ أمري معك ، وصحبتي إياك .