أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞فَـَٔامَنَ لَهُۥ لُوطٞۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (26)

{ فآمن له لوط } هو ابن أخيه وأول من آمن به ، وقيل إنه آمن به حين رأى النار لم تحرقه { وقال إني مهاجر } من قومي . { إلى ربي } إلى حيث أمرني . { إنه هو العزيز } الذي يمنعني من أعدائي . { الحكيم } الذي لا يأمرني إلا بما فيه صلاحي . روي أنه هاجر من كوثى من سواد الكوفة مع لوط وامرأته سارة ابنة عمه إلى حران ، ثم منها إلى الشام فنزل فلسطين ونزل لوط سدوم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞فَـَٔامَنَ لَهُۥ لُوطٞۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (26)

{ فئَامَنَ لَهُ لُوطٌ }

جملة معترضة بين الإخبار عن إبراهيم اعتراض التفريع ، وأفادت الفاء مبادرة لوط بتصديق إبراهيم ، والاقتصار على ذكر لوط يدل على أنه لم يؤمن به إلا لوط لأنه الرجل الفرد الذي آمن به وأما امرأة إبراهيم وامرأة لوط فلا يشملهما اسم القوم في قوله تعالى { وإبراهيم إذ قال لقومه } [ العنكبوت : 16 ] الآية لأن القوم خاص برجال القبيلة قال زهير :

أقَوْمٌ آل حصن أم نساء

وفي التوراة أنه كانت معه زوجُهُ ( سارة ) وزوج لوط واسمها ( ملكة ) . ولوط هو ابن ( هاران ) أخي إبراهيم ، فلوط يومئذ من أمة إبراهيم عليهما السلام .

{ وَقَالَ إِنِّى مُهَاجِرٌ إلى ربى إِنَّهُ هُوَ العَزِيزُ الْحَكِيمُ } .

عطف على جملة { فأنجاه الله من النار } [ العنكبوت : 24 ] .

فضمير { قال } عائد إلى إبراهيم ، أي أعلن أنه مهاجر ديار قومه وذلك لأن الله أمره بمفارقة ديار أهل الكفر .

وهذه أول هجرة لأجل الدين ولذلك جعلها هجرة إلى ربه . والمهاجرة مفاعلة من الهجر : وهو ترك شيء كان ملازماً له ، والمفاعلة للمبالغة أو لأن الذي يهجر قومه يكونون هم قد هجروه أيضاً .

وحرف { إلى } في قوله { إلى ربي } للانتهاء المجازي إذ جعل هجرته إلى الأرض التي أمره الله بأن يهاجر إليها كأنها هجرة إلى ذات الله تعالى فتكون { إلى } تخييلاً لاستعارة مكنية ؛ أو جعل هجرته من المكان الذي لا يعبد أهله الله لطلب مكان ليس فيه مشركون بالله كأنه هجرة إلى الله ، فتكون { إلى } على هذا الوجه مستعارة لمعنى لام التعليل استعارة تبعية .

ورُشحت هذه الاستعارة على كلا الوجهين بقوله { إنه هو العزيز الحكيم } . وهي جملة واقعة موقع التعليل لمضمون { إني مهاجر إلى ربي } ، لأن من كان عزيزاً يعتز به جاره ونزيله .

وإتباع وصف { العزيز } ب { الحكيم } لإفادة أن عزته محكمة واقعة موقعها المحمود عند العقلاء مثل نصر المظلوم ، ونصر الداعي إلى الحق ، ويجوز أن يكون { الحكيم } بمعنى الحاكم فيكون زيادة تأكيد معنى { العزيز } .

وقد مضت قصة إبراهيم وقومه وبلادهم مفصلة في سورة الأنبياء .