أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِنۡهُمۡ وَأَشَدَّ قُوَّةٗ وَءَاثَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (82)

{ أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض } ما بقي منهم من القصور والمصانع ونحوهما ، وقيل آثار أقدامهم في الأرض لعظم أجرامهم . { فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون } " ما " الأولى نافية أو استفهامية منصوبة بأغنى ، والثانية موصولة أو مصدرية مرفوعة به .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِنۡهُمۡ وَأَشَدَّ قُوَّةٗ وَءَاثَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (82)

تفريع هذا الاستفهام عقب قوله : { وَيُرِيكُم ءاياته } [ غافر : 81 ] ، يقتضي أنه مساوق للتفريع الذي قبله وهو { فَأَيَّ ءاياتت الله تُنكِرُونَ } [ غافر : 81 ] فيقتضي أن السيْر المستفهم عنه بالإِنكار على تركه هو سير تحصل فيه آيات ودلائل على وجود الله ووحدانيته وكلا التفريعينْ متصل بقوله : { وَلِتَبلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً في صُدُورِكُم وعَلَيها وعَلَى الفُلْككِ تُحْمَلُونَ } [ غافر : 80 ] ، فذلك هو مناسبة الانتقال إلى التذكير بعبرة آثار الأمم التي استأصلها الله تعالى لما كذبت رُسله وجحدت آياته ونعمه .

وحصل بذلك تكرير الإنكار الذي في قوله قبل هذا : { أوَلَمْ يَسِيروا في الأرْضِ فَيَنظُرُوا كَيفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانوا مِن قَبْلِهِم كَانُوا هم أَشَدَّ منهم قُوَّةً } [ غافر : 21 ] الآية ، فكان ما تقدم انتقالاً عقب آيات الإِنذار والتهديد ، وكان هذا انتقالاً عقب آيات الامتنان والاستدلال ، وفي كلا الانتقالين تذكير وتهديد ووعيد . وهو يشير إلى أنهم إن لم يكونوا ممن تزعهم النعم عن كفران مسديها كشأن أهل النفوس الكريمة فليكونوا ممن يردعهم الخوف من البطش كشأن أهل النفوس اللئيمة فليضعوا أنفسهم حيث يختارون من إحدى الخطتين .

والقول في قوله : { أفَلَمْ يَسِيرُوا في الأرْضِ } إلى قوله : { وَءَاثَاراً في الأرْضِ } مثل القول في نظيره السابق في هذه السورة ، وخولف في عطف جملة { أفَلَمْ يَسِيرُوا } بين هذه الآية فعطفت بالفاء للتفريع لوقوعها بعدما يصلح لأن يفرع عنه إنكار عدم النظر في عاقبة الذين من قبلهم بخلاف نظيرها الذي قبلها فقد وقع بعد إنذارهم بيوم الآزفة .

وجملة { فَمَا أغنى عَنْهم مَا كَانُوا يَكْسِبونَ } معترضة والفاء للتفريع على قوله : { كَانُوا أكْثَرَ مِنْهُم } وهو كقوله تعالى : { هذا فليذوقوه حميم وغساق } [ ص : 57 ] وقول عنترة :

ولقد نَزَلْتِ فلا تظنّي غيره *** مني بمنزلة المحَبّ المكرَم

وفائدة هذا الاعتراض التعجيل بإفادة إن كثرتهم وقوتهم وحصونهم وجناتهم لم تغن عنهم من بأس الله شيئاً .