{ أفأصفاكم ربكم بالبنين } خطاب لمن قالوا الملائكة بنات الله ، والهمزة للإنكار والمعنى : أفخصكم ربكم بأفضل الأولاد هم البنون . { واتخذ من الملائكة إناثاً } بنات لنفسه وهذا خلاف ما عليه عقولكم وعادتكم . { إنكم لتقولون قولا عظيما } بإضافة الأولاد إليه ، وهي خاصة بعض الأجسام لسرعة زوالها ، ثم بتفضيل أنفسكم عليه حيث تجعلون له ما تكرهون ثم يجعل الملائكة الذين هم من أشرف خلق الله أدونهم .
وقوله { أفأصفاكم } الآية ، خطاب للعرب التي كانت تقول الملائكة بنات الله ، فقررهم الله على هذه الحجة ، أي أنتم أيها البشر لكم الأعلى من النسل ولله الإناث ؟ فلما ظهر هذا التباعد الذي في قولهم عظم الله عليهم فساد ما يقولونه وشنعته ، ومعناه عظيماً في المنكر والوخامة ، و «أصفاكم » معناه جعلكم أصحاب الصفوة ، وحكى الطبري عن قتادة عن بعض أهل العلم أنه قال : نزلت هذه الآية في اليهود لأنهم قالوا هذه المقالة من أن الملائكة بنات الله .
تفريع على مقدر يدل على تقديره المفرع عليه . والتقدير : أفضلكم الله فأعطاكم البنين وجعل لنفسه البنات . ومناسبته لما قبله أن نسبة البنات إلى الله ادعاء آلهة تنتسب إلى الله بالبنوة ، إذ عبد فريق من العرب الملائكَة كما عبدوا الأصنام ، واعتلوا لعبادتهم بأن الملائكة بنات الله تعالى كما حكى عنهم في قوله : { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا } إلى قوله : { وقالوا لو شاء الرحمان ما عبدناهم } [ الزخرف : 19 20 ] . فلما نهوا عن أن يجعلوا مع الله إلهاً آخر خصص بالتحذير عبادة الملائكة لئلا يتوهموا أن عبادة الملائكة ليست كعبادة الأصنام لأن الملائكة بنات الله ليتوهموا أن الله يرضى بأن يعبدوا أبناءه .
وقد جاء إبطال عبادة الملائكة بإبطال أصلها في معتقدهم ، وهو أنهم بنات الله ، فإذا تَبَيّنَ بطلان ذلك علموا أن جعلهم الملائكة آلهة يساوي جعلهم الأصنام آلهة .
فجملة { أفأصفاكم ربكم بالبنين } إلى آخرها متفرعة على جملة { ولا تجعل مع اللَّه إلها آخر } [ الإسراء : 39 ] تفريعاً على النهي كما بيناه باعتبار أن المنهي عنه مشتمل عمومه على هذا النوع الخاص الجدير بتخصيصه بالإنكار وهو شبيه ببدل البعض . فالفاء للتفريع وحقها أن تقع في أول جملتها ولكن أخرها أن للاستفهام الصدر في أسلوب الكلام العربي . وهذا هو الوجه الحسن في موقع حروف العطف مع همزة الاستفهام .
وبعض الأيمة يجعل الاستفهام في مثل هذا استفهاماً على المعطوف والعاطف . والاستفهام إنكار وتهكم .
والإصفاء : جعل الشيء صَفْوا ، أي خَالصاً ، وتعدية أصفى إلى ضمير المخاطبين على طريقة الحذف والإيصال ، وأصله : أفأصفى لكم . وقوله : بالبنين } الباء فيه إما مزيدة لتوكيد لصوق فعل ( أصفى ) بمفعوله . وأصله : أفأصفى لكم ربكم البنين ، كقوله تعالى : { وامسحوا برءوسكم } [ المائدة : 6 ] ؛ أو ضمّن أصفى معنى آثر فتكون الباء للتعدية دالة على معنى الاختصاص بمجرورها ، فصار ( أصفى ) مع متعلقه بمنزلة فعلين ، أي قصر البنين عليكم دونه ، أي جعل لم البنين خالصة لا يساويكم هو بأمثالهم ، وجعل لنفسه الإناث التي تكرهونها . وفساد ذلك ظاهر بأدنى نظر فإذا تبين فساده على هذا الوضع فقد تبين انتفاء وقوعه إذ هو غير لائق بجلال الله تعالى . وقد تقدم هذا عند قوله تعالى : { ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون } في سورة [ النحل : 57 ] . وقوله : { إن يدعون من دونه إلا إناثاً } في [ النساء : 117 ] .
وجملة { إنكم لتقولون قولاً عظيماً } تقرير لمعنى الإنكار وبيان له ، أي تقولون : اتخذ الله الملائكة بنات . وأكد فعل « تقولون » بمصدره تأكيداً لمعنى الإنكار . وجَعْله مجرد قول لأنه لا يعدو أن يكون كلاماً صدر عن غير روية ، لأنه لو تأمله قائله أدنى تأمل لوجده غير داخل تحت قضايا المقبول عقلاً .
والعظيم : القوي . والمراد هنا أنه عظيم في الفساد والبطلاننِ بقرينة سياق الإنكار .
ولا أبلغ في تقبيح قولهم من وصفه بالعظيم ، لأنه قول مدخول من جوانبه لاقتضائه إيثار الله بأدْوَن صنفي البنوة مع تخويلهم الصنف الأشرف . ثم ما يقتضيه ذلك من نسبته خصائص الأجسام لله تعالى من تركيب وتولد واحتياج إلى الأبناء للإعانة وليخلُفوا الأصل بعد زواله ، فأي فساد أعظم من هذا .
وفي قوله : { اتخذ } إيماء إلى فساد آخر ، وهو أنهم يقولون : { اتخذ الله ولداً } [ البقرة : 116 ] . والاتخاذ يقتضي أنه خَلقه ليتخذه ، وذلك ينافي التولد فكيف يلتئم ذلك مع قوله : الملائكة بنات الله من سروات الجن ، وكيف يخلق الشيء ثم يكون ابناً له فذلك في البطلان ضغث على إبّالة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.