أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَهَٰذَا صِرَٰطُ رَبِّكَ مُسۡتَقِيمٗاۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَذَّكَّرُونَ} (126)

{ وهذا إشارة إلى البيان الذي جاء به القرآن ، أو إلى الإسلام أو ما سبق من التوفيق والخذلان . { صراط ربك } الطريق الذي ارتضاه أو عادته وطريقه الذي اقتضته حكمته . { مستقيما } لا عوج فيه ، أو عادلا مطردا وهو حال مؤكدة كقوله { وهو الحق مصدقا } ، أو مقيدة والعامل فيها معنى الإشارة . { قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون } فيعلمون أن القادر هو الله سبحانه وتعالى وأن كل ما يحدث من خير أو شر فهو بقضائه وخلقه ، وأنه عالم بأحوال العباد حكيم عادل فيما يفعل بهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَهَٰذَا صِرَٰطُ رَبِّكَ مُسۡتَقِيمٗاۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَذَّكَّرُونَ} (126)

هذا إشارة إلى القرآن والشرع الذي جاء به محمد عليه السلام ، قاله ابن عباس ، و «الصراط » الطريق ، وإضافة الصراط إلى الرب على جهة أنه من عنده وبأمره و { مستقيماً } حال مؤكدة وليست كالحال في قولك جاء زيد راكباً بل هذه المؤكدة تتضمن المعنى المقصود . و { فصلنا } معناه بينا وأوضحنا ، وقوله { لقوم يذكرون } أي للمؤمنين الذين يعدون أنفسهم للنظر ويسلكون طريق الاهتداء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَهَٰذَا صِرَٰطُ رَبِّكَ مُسۡتَقِيمٗاۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَذَّكَّرُونَ} (126)

عطف على جملة : { ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقاً حرجاً } [ الأنعام : 125 ] إلى آخِرها ، لأنّ هذا تمثيل لحال هدي القرآن بالصّراط المستقيم الّذي لا يجهد متّبعه ، فهذا ضدّ لحال التّمثيل في قوله : { كأنَّما يصّعَّد في السَّماء } [ الأنعام : 125 ] . وتمثيل الإسلام بالصّراط المستقيم يتضمّن تمثيل المسلم بالسّالك صراطاً مستقيماً ، فيفيد توضيحاً لقوله : { يشرح صدره للإسلام } [ الأنعام : 125 ] . وعطفت هذه الجملة مع أنها بمنزلة بيان الجملة التي قبلها لتكون بالعطف مقصودة بالإخبار . وهو اقبال على النبي صلى الله عليه وسلم بالخطاب .

والإشارة ب { هَذا } إلى حاضر في الذهن وهو دين الإسلام . والمناسبة قوله : { يشرح صدره للإسلام } [ الأنعام : 125 ] . والصّراط حقيقته الطّريق ، وهو هنا مستعار للعمل الموصل إلى رضى الله تعالى . وإضافته إلى الربّ لتعظيم شأن المضاف ، فيعلم أنَّه خير صراط . وإضافة الربّ إلى ضمير الرّسول تشريف للمضاف إليه ، وترضية للرّسول صلى الله عليه وسلم بما في هذا السَّنن من بقاء بعض النّاس غير متّبعين دينه .

والمستقيم حقيقته السّالم من العوج ، وهو مستعار للصّواب لسلامته من الخطأ ، أي سَنَن الله الموافق للحكمة والّذي لا يتخلّف ولا يعطّله شيء . ويجوز أن تكون الإشارة إلى حاضر في الحسّ وهو القرآن ، لأنَّه مسموع كقوله : { وهذا كتاب أنزلناه مبارك } [ الأنعام : 92 ] ، فيكون الصّراط المستقيم مستعاراً لما يُبلِّغ إلى المقصود النّافع ، كقوله : { وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتَّبعوه ولا تتَّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله } [ الأنعام : 153 ] . ومستقيماً حال من « صراط » مؤكّدة لمعنى إضافته إلى الله .

وجملة : { قد فَصّلْنا الآيات } استئناف وفذلكة لما تقدم . والمراد بالآيات آيات القرآن . ومن رشاقة لفظ { الآيات } هنا أن فيه تورية بآيات الطريق التي يهتدي بها السائر .

واللاّم في : { لقوم يذكرون } للعلّة ، أي فصّلنا الآيات لأجلهم لأنَّهم الّذين ينتفعون بتفصيلها . والمراد بالقوم المسلمون ، لأنَّهم الّذين أفادتهم الآيات وتذكّروا بها .