اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَهَٰذَا صِرَٰطُ رَبِّكَ مُسۡتَقِيمٗاۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَذَّكَّرُونَ} (126)

" هذا " إشارةٌ إلى ما تقدَّم تَقْرِيرُه ، وهو أن الفِعْل يتوقَّف على الدَّاعِي ، وحُصُول تلك الدَّاعية من اللَّهِ-تبارك وتعالى- فوجَبَ كون الفِعْل من اللّه - تعالى- ، وذك يوجب التَّوْحِيد المَحْضَ ، وسماه صِرَاطاً ؛ لأن العِلْمَ به يؤدِّي إلى العِلْمِ بالتَّوحيد الحق .

وقيل : " هذا " إشارَةٌ إلى الَّذِي أنْتَ عليه يا مُحَمَّد طريق ربِّك ودينه الذي ارتَضَى لنَفْسِهِ ، مسْتقِيماً لا عوجَ فيه وهُو الإسْلامُ .

وقال ابن مَسْعُود- رضي الله عنهما- و " هذا " إشَارةٌ إلى القُرآن الكريم{[15178]} .

قوله- تعالى- : " مُسْتَقِيماً " حال من " صِرَاط " والعَامِل فيه أحَد شَيْئَيْن : إمَّا " هَا " لما فيها من مَعْنَى التَّنْبيه ، وإمَّا " ذَا " لما فِيهِ من مَعْنَى الإشارةِ ، وهي حظَال مؤكدَةٌ لا مُبَيَّنة ؛ لأن صرَاط اللَّه لا يكُون إلاَّ كذلِك .

قال الواحدي{[15179]} : انْتَصَب " مُسْتَقِيماً " على الحَالِ ، والعَامِل فيه مَعْنَى هذا ، وذلك أن " ذَا " يَتَضَمَّن مَعْنَى الإشارة ؛ كقولك : هذا زَيْدٌ قَائِماً ، مَعْنَاه : أشِيرُ إليه في حَالِ قِيَامِه ، وإذا كان العَامِلُ في الحَالِ مَعْنَى الفِعْل لا الفِعْل ، لم يَجُزْ تقديمُ الحالِ عليه ، لا يَجُوز : " قَائِماً هذا زَيْد " و [ يجوز ] ضَاحِكَاً جَاءَ زَيْدٌ .

ثم قال تبارك وتعالى : { قَدْ فَصَّلْنَا الآيات } أي : ذكرناها فَصْلاً فَصْلاً ، بحيث لا يَخْتَلِطُ وَاحِدٌ منها بالآخَرِ ، وقوله : " لقوم يذّكّرون " .

قال ابن الخطيب{[15180]} : فالذي أظنه والعلم عند الله أنه تبارك وتعالى – إنما جعل مقطع هذه الآية الكريمة هذه اللفظة ؛ لأنه تقرّر في عقل كلّ واحد أن أحد طرفي الممكن لا يترجّح علىالآخر إلا لمرجِّح ، فكأنه – تبارك وتعالى - يَقُول للمْعَتزِليّ : أيها المعتَزِلِيّ ، تذكِّر ما تقرَّر في عَقْلِك أن الممْكِن ؛ لا يتَرجَّحُ أحَدُ طَرَفَيْه على الآخَر إلاَّ لمرجِّحٍ ، حتَّى تزولَ الشُّبْهَة عن قَلْبِك بالكُلِّية في مَسْألة القَضَاء والقَدَرِ .


[15178]:ذكره الرازي في "تفسيره" (13/153).
[15179]:ينظر: الرازي 13/153.
[15180]:ينظر: الرازي 13/154.