نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ إِنَّا تَطَيَّرۡنَا بِكُمۡۖ لَئِن لَّمۡ تَنتَهُواْ لَنَرۡجُمَنَّكُمۡ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٞ} (18)

ولما كان حلول الصالحين بين الناس يكون تارة نعمة وأخرى نقمة باعتبار التصديق والتكذيب والإساءة والإحسان ، فكان قد حصل لهؤلاء الذين كذبوا هؤلاء الرسل بلاء لتكذيبهم لهم من جدب الأرض وصعوبة الزمان ، ونحو ذلك من الامتحان ، ذكر ما أثره ذلك عند أهل القرية فقال : { قالوا } ولما كانوا لما يرون عليهم من الآيات وظاهر الكرامات مما يشهد ببركتهم ويمن نقيبتهم بحيث إذا ذموهم توقعوا تكذيب الناس لهم ، أكدوا قولهم : { إنا تطيرنا } أي حملنا أنفسنا على الطيرة والتشاوم تطيراً ظاهراً - بما أشار إليه الإظهار بخلاف ما في النمل والأعراف { بكم } بنسبة ما حل بنا من البلاء إلى شومكم ، لأن عادة الجهال التيمن بما مالوا إليه ويسندون ما حل بهم من نعمة إلى يمنة والتشاوم بما كرهوه ، ويسندون ما أصابهم من نقمة إلى شومه ؛ ثم إنهم استأنفوا استئناف النتائج قولهم على سبيل التأكيد إعلاماً بأن ما أخبروا به لا فترة لهم عنه وإن كان مثلهم مستبعداً عند العقلاء : { لئن لم تنتهوا } أي عن دعائكم هذا { لنرجمنكم } أي لنشتمنكم أو لنرمينكم بالحجارة حتى تنتهوا أو لنقتلنكم شر قتلة . ولما كان الإنسان قد يفعل ما لا يؤخذ أثره فقالوا معبرين بالمس دون الإمساس : { وليمسنكم منا } أي عاجلاً لا من غيرنا كما تقولون أنتم في تهديدكم إيانا بما يحل بنا ممن أرسلكم { عذاب أليم * } حتى تنتهوا عنا لنكف عن إيلامكم

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ إِنَّا تَطَيَّرۡنَا بِكُمۡۖ لَئِن لَّمۡ تَنتَهُواْ لَنَرۡجُمَنَّكُمۡ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٞ} (18)

قوله : { قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ } { تَطَيَّرْنَا } من الطيرة . وهي ما يُتشاءم به من الفأل الرديء{[3890]} وأصل التطير التفاؤل بالطير البارح والسانح ثم عم . فقد قال هؤلاء المشركون الضالون لرسلهم لما جاءوهم بدعوة التوحيد : تشاءمنا بكم ، جريا على عادة الجاهلين والسفهاء ؛ إذ يتيمنون ( من اليُمن ) بكل شيء قبلته طباعهم ومالت إليه نفوسهم ، ويتشاءمون بما لا يوافق أهواءهم وشهواتهم وإن كان مستتبعا للخير فيما بعد . فكانوا بذلك إذا أصابهم بلاء أو نقمة قالوا : هذا بشؤم كذا . وإن أصابهم خير ونعمة ، قالوا هذا ببركة كذا . وذلك هو ديدن المغفّلين الواهمين من أهل الضلال في كل زمان إذ يركنون إلى التطير ، ويغفلون عن حقيقة القدر المسطور في علم الله ، وأنه ما من شيء قلَّ أو كثر ، صغر أو كبر إلا وهو مقدور مسطور في كتاب الله{[3891]}

قوله : { لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ } قالوا لهم متوعدين : لئن لم تكفوا عن مقالتكم وعن دينكم الذي جئتمونا به لنقتلنكم أو لنشتمنكم أو لنطردنكم . والرجم في اللغة معناه القتل والقذف والظن والغيب واللعن والشتم والطرد والرمي بالحجارة فقد هددوهم بقتلهم رجما بالحجارة أو بضربهم بها ، أو بطردهم وشتمهم أو غير ذلك من احتمالات الرجم .

قوله : { وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } أرادوا بالعذاب الأليم التحريق في النار وهو أشد العذاب .


[3890]:القاموس المحيط ص 555
[3891]:القاموس المحيط ص 1435