مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قَالُوٓاْ إِنَّا تَطَيَّرۡنَا بِكُمۡۖ لَئِن لَّمۡ تَنتَهُواْ لَنَرۡجُمَنَّكُمۡ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٞ} (18)

ثم كان جوابهم بعد هذا أنهم { قالوا إنا تطيرنا بكم } وذلك أنه لما ظهر من الرسل المبالغة في البلاغ ظهر منهم الغلو في التكذيب ، فلما قال المرسلون : { إنا إليكم مرسلون } قالوا : { إن أنتم إلا تكذبون } ولما أكد الرسل قولهم باليمين حيث قالوا : { ربنا يعلم } [ يس : 16 ] أكدوا قولهم بالتطير بهم فكأنهم قالوا في الأول كنتم كاذبين ، وفي الثاني صرتم مصرين على الكذب ، حالفين مقسمين عليه ، و «اليمين الكاذبة تدع الديار بلاقع » فتشاءمنا بكم ثانيا ، وفي الأول كما تركتم ففي الثاني لا نترككم لكون الشؤم مدركنا بسببكم فقالوا : { لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم } وقوله لنرجمنكم يحتمل وجهين أحدهما : لنشتمنكم من الرجم بالقول وعلى هذا فقوله : { وليمسنكم } ترق كأنهم قالوا ولا يكتفي بالشتم ، بل يؤدي ذلك إلى الضرب والإيلام الحسي وثانيهما : أن يكون المراد الرجم بالحجارة ، وحينئذ فقوله : { وليمسنكم } بيان للرجم ، يعني ولا يكون الرجم رجما قليلا نرجمكم بحجر وحجرين ، بل نديم ذلك عليكم إلى الموت وهو عذاب أليم ، ويكون المراد لنرجمنكم وليمسنكم بسبب الرجم عذاب منا أليم ، وقد ذكرنا في الأليم أنه بمعنى المؤلم ، والفعيل معنى مفعل قليل ، ويحتمل أن يقال هو من باب قوله : { عيشة راضية } [ الحاقة : 21 ] أي ذات رضا ، فالعذاب الأليم هو ذو ألم ، وحينئذ يكون فعيلا بمعنى فاعل وهو كثير .