فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالُوٓاْ إِنَّا تَطَيَّرۡنَا بِكُمۡۖ لَئِن لَّمۡ تَنتَهُواْ لَنَرۡجُمَنَّكُمۡ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٞ} (18)

{ قَالُوا : إنا تطيرنا بكم } فإنها مستأنفة جوابا عن سؤال مقدر ، أي إنا تشاءمنا بكم لانقطاع المطر عنا بسببكم . لم يجدوا جوابا يجيبون به على الرسل إلا هذا الجواب ، المبني على الجهل ، المنبئ عن الغباوة العظيمة وعدم وجود حجة يدفعون الرسل بها ، وعادة الجهال أن يتيمنوا بكل شيء مالوا إليه وقبلته طباعهم ، ويتشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه ، فإن أصابهم بلاء أو نعمة قالوا بشؤم هذا وبركة هذا .

قال مقاتل : حبس عنهم المطر ثلاث سنين فقالوا : هذا بشؤمكم . قيل : إنهم أقاموا ينذرونهم عشر سنين ، وقيل : إنما تطيروا لما بلغهم من أن كل نبي إذا دعا قومه فلم يجيبوه كان عاقبتهم الهلاك ، وأصل التطير التفاؤل بالطير ، فإنهم كانوا يزعمون أن الطائر السانح سبب للخير ، والبارح سبب للشر ، ثم استعمل في كل ما يتشاءم به .

وفي المختار : وطائر الإنسان عمله الذي قلده ، والطير أيضا الاسم من التطير ومنه قولهم : لا طير إلا طير الله وتطير من الشيء وبالشيء والاسم الطيرة بوزن عنبة ، وهو ما يتشاءم به من الفأل الرديء .

وفي الحديث : ( أنه كان يحب الفأل ويكره الطيرة ) ، وقوله تعالى : { قالوا : أطيرنا بك } أصله تطيرنا فأدغم ، ثم رجعوا إلى التجبر والتكبر لما ضاقت صدورهم ، وأعيتهم العلل فقالوا :

{ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا } اللام للقسم ، أي والله لئن لم تتركوا هذه الدعوى وتعرضوا عن هذه المقالة : { لَنَرْجُمَنَّكُمْ } بالحجارة ، قال الفراء : عامة ما في القرآن من الرجم المراد به القتل ، وقال قتادة : هو على بابه من الرجم بالحجارة .

{ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي شديد فظيع ، وقيل : معناه التحريق بالنار أو القتل ، وقيل : الشتم ، وقيل : هو التعذيب المؤلم من غير تقييد بنوع خاص ، وهذا هو الظاهر لكنهم حنثوا في هذا القسم لأنهم لم يتمكنوا من بره لإهلاك الله لهم .

ثم أجاب عليهم الرسل دفعا لما زعموه من التطير بهم و { قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ }