نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَمِنۡ حَيۡثُ خَرَجۡتَ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۖ وَإِنَّهُۥ لَلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (149)

ولما عظم في شأن القبلة انتشار أقوالهم في تنويع شغبهم{[5556]} وجدالهم وكانوا أهل علم وكتاب ، وقد مرت لهم دهور وهم موسومون بأنهم على صواب ، فاشرأب لذلك النفاق ، ودارت رحى الباطل والشقاق ، وقامت سوق الفسوق فيما هنالك على ساق ، كان الحال مقتضياً لمزيد تأكيد لأمرها تعظيماً لشأنها وتوهية{[5557]} لشبه السفهاء فقال تعالى ثانياً معبراً بعبارة مشعرة{[5558]} بإمامته صلى الله عليه وسلم وانتظار المصلين له ، { ومن حيث خرجت } أي للصلاة المفروضة باتباعك من هذه الجهة التي أنت بها الآن بالمدينة الشريفة التي هي شمال الكعبة المشرفة أو من غيرها من الجهات من الشرق والغرب والجنوب { فول وجهك شطر } أي عين{[5559]} { المسجد الحرام } وأما قلبك فهو إلى الله

ولما كان التقدير{[5560]} فإنك مأمور بذلك لئلا يظن{[5561]} أن ذلك إنما عمل لتطلعه صلى الله عليه وسلم إليه وهو فيه بالخيار فيظن أن الرجوع إلى القبلة الأولى مصلحة لما انتشر{[5562]} في ذلك من الكلام الذي نفذ في القلوب نفوذ السهام عطف عليه قوله : { وإنه للحق من ربك } مؤكداً له بأنواع التأكيد مضيفاً له إلى صفة الإحسان بإحسان التربية والنظر في أدبار الأمور وأحكامها .

ولما كان التقدير : وإن ربك عالم بما قالوه من الشبه التي دارت بين الناس وخيفت عاقبتها عطف عليه ما هو أعم منه فقال{[5563]} : { وما الله } {[5564]}أي الذي له الإحاطة الكاملة{[5565]} { بغافل عما } أي عن{[5566]} شيء مما { يعملون{[5567]} } أي السفهاء من اليهود وغيرهم في مستقبل الزمان فيوهيه ويبطل أذاه ويرميه{[5568]} ويبعده ويقصيه ، وعلى قراءة الخطاب أنتم في هذا الوقف وبعده فيغلبه{[5569]} ويثبته ويبقيه إن كان خالصاً لوجهه وإلا جعله هباء منثوراً . قال الحرالي : ومن التفت بقلبه في صلاته إلى غير ربه لم تنفعه وجهة وجه بدنه إلى الكعبة ، لأن ذلك حكم حق حقيقته توجه القلب ومن التفت بقلبه{[5570]} إلى شيء من الخلق في صلاته فهو مثل الذي استدبر بوجهه عن شطر قبلته ، فكما يتداعى الإجزاء{[5571]} الفقهي باستدبار الكعبة حساً فكذلك{[5572]} يتداعى القبول باستدبار وجه القلب عن الرب غيباً ، فلذلك أقبل هذا الخطاب على الذين آمنوا والذين أسلموا ، لأنه هو صلى الله عليه وسلم مبرأ عن مثله - انتهى .


[5556]:في ظ: شعبهم- كذا بالعين المهملة
[5557]:في م: توهيه
[5558]:من م ومد و ظ،وفي الأصل: شعرة -كذا
[5559]:وقع في الأصل: غير –مصحفا، والتصحيح من بقية الأصول
[5560]:وفي البحر المحيط 1/ 440 بعد نقل أقوال متعددة في التكرار: وقيل ربما خطر في بال جاهل أنه تعالى فعل ذلك لرضا نبيه لقوله: {فلنولينك قبلة ترضاها} فأزال هذا الوهم بقوله: {وأنه للحق من ربك} أي ما حولناك لمجرد الرضا بل لأجل أن هذا التحويل هو الحق، فليست كقبلة اليهود التي يتبعونها بمجرد الهوى، ثم أعاد ثالثا والمراد: دوموا على هذه القبلة في جميع الأزمنة.
[5561]:من م ومد و ظ، وفي الأصل: تظن – بصيغة الخطاب.
[5562]:زيدت في م "و"
[5563]:وقع في الأصل: فقالوا، والتصحيح من بقية الأصول
[5564]:ليست في ظ
[5565]:ليست في ظ
[5566]:من م ومد و ظ، وفي الأصل: من.
[5567]:كذا في الأصول ويؤيده تفسير المؤلف الذي يليه على وجه الإخبار عنهم، وأما ما في المصاحف فهو تعملون- بالتاء على وجه المخاطبة كما صرح به المؤلف بعده بقوله: وعلى قراءة الخطاب أنتم -الخ
[5568]:من م ومد و ظ وفي الأصل: يوميه
[5569]:في م و ظ: يعليه
[5570]:زيد من م ومد و ظ
[5571]:في الأصل: الأحرا –كذا والتصحيح من بقية الأصول
[5572]:في م: فكذلك