نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا يُنصَرُونَ} (41)

ولما كان " من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " وكانوا أول من أصر وأطبق في ذلك الزمان على تكذيب الآيات ، وإخفاء الدلالات النيرات ، على تواليها وكثرتها ، وطول زمانها وعظمتها وكانت منابذة العقل واتباع الضلال في غاية الاستبعاد ، لا سيما إن كانت ضامنة للهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة ، قال تعالى في مظهر العظمة : { وجعلناهم } أي في الدنيا { أئمة } أي متبوعين في رد ما لا يرده عاقل من مثل هذه الآيات ، أي جعلنا أمرهم شهيراً حتى لا يكاد أحد يجهله ، فكل من فعل مثل أفعالهم من رد الحق والتجبر على الخلق ، فكأنه قد اختار الاقتداء بهم وإن لم يكن قاصداً ذلك ، فأطلق ذلك عليه رفعاً له عن النسبة إلى أنه يعمل ما يلزمه الاتسام به وهو عاقل عنه كما أنه لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ، لأنه أول من سن القتل ، وأحق الناس باتباعهم في باطن اعتقادهم وظاهر اصطناعهم ، وخيبة آمالهم وأطماعهم أهل الإلحاد بمذهب الاتحاد أهلك الله أنصارهم . وعجل دمارهم ، وكشف هذا المعنى بقوله : { يدعون } أي يوجدون الدعاء لمن اغتر بحالهم ، فضل ضلالهم { إلى النار } أي وجعلنا لهم أعواناً ينصرونهم عكس ما أردنا لبني إسرائيل - كما سلف أول السورة - وجعلناهم موروثين .

ولما كان الغالب من حال الأئمة النصرة ، وكان قد أخبر عن خذلانهم في الدنيا ، قال : { ويوم القيامة } أي الذي هو يوم التغابن { لا ينصرون* } أي لا يكون لهم نوع نصرة أصلاً كما كانوا يوم هلاكهم في الدنيا سواء ، ولا هم أئمة ولا لهم دعوة ، يخلدون في العذاب ، ويكون لهم سوء المآب .