نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَأَبۡصِرۡ فَسَوۡفَ يُبۡصِرُونَ} (179)

ولما كابر بعضهم ودافع ، لم يكن بأسرع من أن ولوا وطلبوا السلامة بالدخول فيما جعله صلى الله عليه وسلم علماً على التأمين ، وقال حماس بن قيس أخو بني بكر لما دخل بيته لامرأته : أغلقي عليّ الباب ، فعيرته بالهزيمة بعن أن كانت تنهاه عن منابذة المسلمين فلا ينتهي ويقول لها : لا بد ، أن أخدمك بعضهم :

إنك لو شهدت يوم الحندمه *** إذ فر صفوان وفر عكرمه

واستقبلتنا بالسيوف المسلمة *** يقطعن كل ساعد وجمجمه

ضرباً فلا يسمع إلا غمغمه *** لهم نهيت خلقنا وهمهمه

لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه

ولما كان هذا منطبقاً على يوم الفتح ، وكان ذلك اليوم قد أحل الكفار محلاًّ صاروا به بحيث لا اعتبار لهم قال : { وأبصر } مسقطاً ضميرهم ، أي أبصر ما تريد من شؤونك التي يهمك النظر فيها ، وأما هم فصاروا بحيث لا يبالي بهم ولا يفكر في أمرهم ولا يلتفت إليهم ، فإنا أبدلنا من عزتهم ذلاًّ ، ومن كثرتهم قلاًّ ، وجردنا تلك الأراضي من قاذورات الشرك ، وأحللنا بها طهارة التنزيه وأقداس التحميد ، وكذا كان ، فإنه صلى الله عليه وسلم قال لهم وهو على درج الكعبة وهم تحته كالغنم المجموعة في اليوم المطير بعد أن قال " " لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده " : ما تظنون أني فاعل بكم يا معاشر قريش ؟ قالوا : خيراً ، أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء ، وقال له صفوان بن أمية : اجعلني بالخيار شهرين ، قال : أنت بالخيار أربعة أشهر " ، ولم يكلف أحداً منهم الإسلام حتى أسلموا بعد ذلك طوعاً من عند آخرهم . ولما حاصر الطائف فعسرت عليه انصرف عنها ، فما لبثوا أن أرسلوا إليه رسلهم وأسلموا فحسن إسلامهم ولم يرتد أحد منهم في الردة ، وهذا من معنى { فسوف يبصرون } .