نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{أَوَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (52)

ولما ثبت أن الضار النافع إنما هو الله ، من شاء أعطاه ، ومن شاء منعه ، ومن شاء استلبه ووضعه بعد ما رفعه ، وكان التقدير : ألم يعلموا أن ما جمعه من قبلهم لم يدفع عنهم أمر الله ، عطف عليه قوله : { أولم } ولما كان السياق لنفي العلم عن الأكثر ، وكان مقصود السورة بيان أنه صادق الوعد ومطلق العلم كافٍ فيه ، عبر بالعلم بخلاف ما مضى في الروم فقال : { يعلموا } أي بما رأوا في أعمارهم من التجارب . ولفت الكلام إلى الاسم الأعظم تعظيماً للمقام ودفعاً للبس والتعنت بغاية الإفهام : { أن الله } أي الذي له الجلال والجمال { يبسط } أي هو وحده { الرزق } غاية البسط { لمن يشاء } وإن كان لا حيلة له ولا قوة { يقدر } أي يضيق مع النكد بأمر قاهر على من هو أوسع الناس باعاً في الحيل وأمكنهم في الدول ، ومن المعلوم أنه لولا أن ذلك كله منه وحده لما كان أحد ممن له قوة في الجسم وتمكن في العلم فقيراً أصلاً .

ولما كان هذا أمراً لا ينكره أحد ، عده مسلماً وقال : { إن في ذلك } أي الأمر العظيم ، وأكده لأن أفعالهم أفعال من ينكر أن يكون فيه عبرة { لآيات لقوم } ذوي قوة وهمم عليه { يؤمنون * } أي هيئوا لأن يوجد منهم الإيمان فيجددوا التصديق في كل وقت تجديداً مستمراً بأن الأمور كلها من الله فيخافوه ويرجوه ويشكروه ولا يكفروه ، وأما غيرهم فقد حقت عليه الكلمة بما هيىء له من عمل النار ، فلا يمكنه الإيمان فليس له في ذلك آيات لأنها لا تنفعه .