نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡحَقِّ مِنۡ عِندِنَا قَالُواْ ٱقۡتُلُوٓاْ أَبۡنَآءَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ وَٱسۡتَحۡيُواْ نِسَآءَهُمۡۚ وَمَا كَيۡدُ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ} (25)

ولما أجمل أمره كله في هاتين الآيتين ، شرع في تفصيله فقال مشيراً إلى مبادرتهم إلى العناد من غير توقف أصلاً التي أشار إليها حذف المبتدأ والاقتصار على الخبر الذي هو محط الفائدة : { فلما جاءهم } أي موسى عليه السلام { بالحق } أي بالأمر الثابت الذي لا طاقة لأحد بتغيير شيء منه ، كائناً { من عندنا } على ما لنا من القهر ، فآمن معه طائفة من قومه { قالوا } أي فرعون وأتباعه { اقتلوا } أي قتلاً حقيقياً بإزالة الروح { أبناء الذين آمنوا } أي به فكانوا { معه } أي خصوهم بذلك واتركوا من عداهم لعلهم يكذبونه { واستحيوا نساءهم } أي اطلبوا حياتهن بأن لا تقتلوهن .

ولما كان هذا أمراً صاداً في العادة لمن يؤمن عن الإيمان وراداً لمن آمن إلى الكفران ، أشار إلى أنه سبحانه خرق العادة بإبطاله فقال : { وما } أي والحال أنه ما كيدهم - هكذا كان الأصل ولكنه قال : { كيد الكافرين } تعميماً وتعليقاً بالوصف { إلا في ضلال } أي مجانبة للسداد الموصل إلى الظفر والفوز لأنه ما أفادهم أولاً في الحذر من موسى عليه السلام ولا آخراً في صد من آمن به مرادهم ، بل كان فيه تبارهم وهلاكهم ، وكذا أفعال الفجرة مع أولياء الله ، ما حفر أحد منهم لأحد منهم حفرة مكر إلا أركسه الله فيها .