نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ} (19)

ولما كانت الشفاعة إنما تقع وتنفع بشرط براءة المشفوع له من الذنب إما بالاعتراف بما نسب إليه والإقلاع عنه ، وإما بالاعتذار عنه ، وكان ذلك إنما يجري عند المخلوقين على الظاهر ، ولذلك كانوا ربما وقع لهم الغلط فيمن لو علموا باطنه لما قبلوا الشفاعة فيه ، علل تعالى ما تقدم بعلمه أن المشفوع له ليس بأهل لقبول الشفاعة فيه لإحاطة علمه فقال : { يعلم خائنة } ولما كان السياق هنا للابلاغ في أن علمه تعالى محيط بكل كلي وجزئي ، فكان من المعلوم أن الحال يقتضي جمع الكثرة ، وأنه ما عدل عنه إلى جمع القلة إلا للاشارة إلى أن علمه تعالى بالكثير كعلمه بالقليل الكل ، عليه هين ، فالكثير عنده في ذلك قليل فلذا قال : { الأعين } أي خيانتها التي هي أخفى ما يقع من أفعال الظاهر ، جعل الخيانة مبالغة في الوصف وهي الإشارة بالعين ، قال أبو حيان : من كسرجفن وغمز ونظر يفهم منه ما يراد - انتهى .

وذلك يفعل بفعل ما يخالف الظاهر ، ولما ذكر أخفى أفعال الظاهر ، أتبعه أخفى ما في الباطن فقال : { وما تخفي الصدور * } أي عن المشفوع عنده وغير ذلك .