ولما قسم له الله سبحانه الحال إلى إصابتهم أو وفاته صلى الله عليه وسلم ، وكان قد بقي مما هو أقر لعينه وأشفى لصدره أن يريهم في حياته آية تلجئهم إلى الإيمان ، وتحملهم على الموافقة والإذعان ، فيزول النزاع بحسن الاتباع ، كما وقع لقوم يونس عليه الصلاة والسلام ، قال عاطفاً على ما تقديره في تعليل الأمر بالصبر ، فلقد أرسلناك إليهم ولننفذن أمرنا فيهم ، وأما أنت فما عليك إلا البلاغ : { ولقد أرسلنا } أي على ما لنا من العظمة { رسلاً } أي بكثرة . ولما كان الإرسال إنما هو في بعض الزمان الماضي وإن كان بلوغ رسالة كل لمن بعده موجبة لانسحاب حكم رسالته إلى مجيء الرسول الذي يقفوه ، أثبت الجار لإرادة الحقيقة فقال : { من قبلك } أي إلى أممهم ليبلغوا عنا ما أمرناهم به : { منهم من قصصنا } أي بما لنا من الإحاطة { عليك } أي أخبارهم وأخبار أممهم { ومنهم من لم نقصص } وإن كان لنا العلم التام والقدرة الكاملة { عليك } لا أخبارهم ولا أخبار أممهم ولا ذكرناهم لك بأسمائهم { وما } أي أرسلناهم والحال أنه ما { كان لرسول } أصلاً { أن يأتي بآية } أي ملجئة أو غير ملجئة مما يطلب الرسول استعجالاً لاتباع قومه له ، أو اقتراحاً من قومه عليه أو غير ذلك مما يجادل فيه قومه أو يسلمون له أو ينقادون ، وصرف الكلام عن المظهر المشير إلى القهر إلى ما فيه - مع الإهانة - الإكرام فقال : { إلا بإذن الله } أي بأمره وتمكينه ، فإن له الإحاطة بكل شيء ، فلا يخرج شيء عن أمره ، فإن لم يأذن في ذلك رضوا وسلموا وصبروا واحتسبوا ، وإن أذن في شيء من ذلك من عذاب أو آية ملجئة أو غير ذلك جاءهم ما أذن فيه { فإذا جاء } وزاد الأمر عظماً لمزيد الخوف والرجاء بالإظهار دون الإضمار فقال : { أمر الله } أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ، وأمره ما توعد به من العذاب عند العناد بعد الإجابة إلى المقترح ، ومن القيامة وما فيها ، وتكرير الاسم الأعظم لتعظيم المقام باستحضار ما له من صفات الجلال والإكرام ، ولثبات ما أراد ولزومه عبر عنه بالقضاء ، فقال مشعراً بصيغة المفعول بغاية السهولة : { قُضيَ } أي بأمره على أيسر وجه وأسهله { بالحق } أي الأمر الثابت الذي تقدم الوعد به وحكم بثبوته من إهلاك ناس وإنجاء آخرين أو إيمان قوم وكفر آخرين - هذا كله هو الذي أجرى سبحانه سنته القديمة بثبوته ، وأما الفضل من الإمهال والتطول بالنعم فإنما هو قبل الإجابة إلى المقترحات ، والدليل على أن هذا من مراد الآية ما يأتي من قوله : { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا } وما أشبهه { وخسر } أي هلك أو تحقق وتبين بالمشاهدة أنه خسر { هنالك } أي في ذلك الوقت العظيم بعظمة ما أنزلنا فيه ، ظرف مكان استعير للزمان إيذاناً بغاية الثبات والتمكن في الخسار تمكن الجالس { المبطلون * } أي المنسوبون إلى إيثار الباطل على الحق ، إما باقتراح الآيات مع إتيانهم بما يغنيهم عنها وتسميتهم له سحراً أو بغير ذلك ، إما بتيسرهم على الرجوع عما هم فيه من العناد من غير إذعان وإما بالهلاك ، وإما بإدحاض الحجج والحكم عليهم بالغلب ثم النار ولو بعد حين ، ومن هذه الآية أخذ سبحانه في رد مقطع السورة على مطلعها ، فهذه الآية ناظرة إلى قوله تعالى { وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه } { وما كان لرسول أن يأتي بآية } إلى { وجادلوا بالباطل } و { أفلم يسيروا في الأرض } إلى { فأخذتهم فكيف كان عقاب } وهذا وما بعده مما اشتمل عليه من الحكمة والقدرة إلى الثلاث الآيات الأول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.