التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{قُلِ ٱللَّهُ يُحۡيِيكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يَجۡمَعُكُمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا رَيۡبَ فِيهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (26)

{ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ ( 24 ) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلا أَن قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( 25 ) قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكَثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ( 26 ) } [ 24 – 26 ] .

في هذه الآيات :

1- حكاية لما كان يقوله الكفار كلما وعدوا بالبعث والجزاء بعد الموت حيث كانوا يقولون على سبيل الإنكار : إن الحياة والموت ظاهرتان طبيعيتان أو دهريتان فنحن نحيا ونموت على طبيعة الكون والدهر ، وليس من وراء ذلك شيء ، وما يهلكنا إلا كر الأيام والليالي .

2- وحكاية لما كانوا يعمدون إليه من احتجاج كلما تليت عليهم آيات الله ووعيده بالآخرة ؛ حيث كان قصاراهم تحدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإتيان بآبائهم الميتين إذا كان صادقا في قوله لهم وينذرهم به .

3- ورد عليهم منطو على التقريع فقولهم هذا هو جزاف لا يستند إلى علم ويقين ، وإنما يصدون به عن عناد ومكابرة .

4- وأمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يقول لهم : إنه هو الذي يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم ليوم القيامة ، وإن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه والذي هو قدرة الله تعالى ولو لم يفهمه أكثر الناس ويتيقنوه .

والآيات متصلة بما سبقها سياقا وموضوعا كما هو واضح ، والآية الثانية تدل على أن تحدي الكفار بإحياء آبائهم كان يتكرر منهم كلما كانوا ينذرون بالبعث والحساب الأخرويين . وقد مر في سورة الدخان السابقة مثال من ذلك . وقد تضمن أسلوبها وروحها تزييفا لحجة الكفار وتحديهم ؛ حيث قررت أن البعث المنذر به هو ليوم القيامة والحساب ، وحينما يحل الأجل المعين في علم الله . وقد جاءت الآية الثالثة بعدها لتدعمها بتقرير هذه الحقيقة . ولعل الفقرة الأخيرة منها قد قصدت تقرير كون البعث متأتيا عن حكمة ربانية وكون محل تحقيقها هو يوم القيامة .

ولقد نبهنا في سياق تفسير آيات الدخان [ 34 – 39 ] أن الرد القرآني وحكمة عدم إجابة الكفار إلى تحديهم متسقة مع مشيئة الله في عدم إجابتهم إلى التحدي بالإتيان بمعجزة للبرهنة على ما في رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودعواه بصلتها بالله من صدق وحق . فلا نرى حاجة إلى الإعادة ونكتفي بالقول : إن اتساق الرد هنا مع الرد هناك دليل على صواب التوجيه والتنبيه إن شاء الله .

ولقد روى الطبري في سياق الآية حديثا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( كان أهل الجاهلية يقولون : إنما يهلكنا الليل والنهار ، وهو الذي يهلكنا ويميتنا ويحيينا فقال الله في كتابه وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر قال : فيسبون الدهر . فقال : الله تبارك وتعالى : يؤذيني ابن آدم بسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار ){[1890]} . وحديثا آخر عن أبي هريرة أيضا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( يقول الله استقرضت عبدي فلم يعطني وسبني عبدي يقول : وادهراه وأنا الدهر ) . وحديثا ثالثا عن أبي هريرة كذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( إن الله قال لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره وإذا شئت قبضتهما ) حيث ينطوي في الأحاديث توضيح نبوي وعظي يجب على المسلم أن يقف عنده .


[1890]:القسم الأخير الذي يبدأ بجملة: قال الله من هذا الحديث من مرويات البخاري أيضا، انظر التاج جـ 4 ص 207.