التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمٖ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةٗ فَمَن يَهۡدِيهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (23)

{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ( 23 ) }[ 23 ] .

في الآية لفت نظر فيه تنديد موجه إلى السامع لحالة الذي اتخذ من هواه إلها له عن علم وبينة وعناد فاستحق خذلان الله حتى غدا كمن ختم على سمعه ، فلا يسمع وعلى قلبه فلا يفهم وجعل على بصره غطاء فلا يرى . وانتهت بسؤالين أولهما يتضمن معنى التقرير بأن مثل هذا وأمثاله لن يستطيع أحد أن يهديهم بعد أن انصرف عن الله وانصرف الله عنه ، وثانيهما يتضمن التنديد بالسامعين الذين لا يتدبرون هذه الحقيقة على وضوحها أو يتضمن الحث على تدبرها .

وفي الآية تعقيب على الآيات السابقة كما هو المتبادر كأنما أريد بها التقرير بأن ما وجه فيها إلى العقول والقلوب من خطاب ولفت نظر لن يؤثر في الكفار ؛ لأن موقفهم موقف المتعمد للجحود ، ولأنهم يتعامون ويتصاممون وينصرفون عن التدبر في آيات الله عنادا ومكابرة .

تعليق على آية{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ . . . . } الخ

والمقصود من تعبير { اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } إما أن يكون الإشارة إلى تحكم الهوى والغرض في المرء حتى يصبح مطيعا وخاضعا له كأنما هو إلهه ، وإما تقرير كون ما عليه من عقائد وعبادات وعادات باطلة قائما على هوى النفس دون الحق والحقيقة . والآية تتحمل هذا وتتحمل ذاك وإن كنا نرجح الأول . والمقصود من تعبير { وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ } أن ما هو عليه من موقف باطل جاحد ليس ناشئا عن جهل في الحق والحقيقة ، وإنما عن مكابرة وعناد مع العلم بهما ويكون معنى الجملة أن ضلال الله له إنما كان بسبب نيته الخبيثة من قبيل { ويضل الله الظالمين } [ إبراهيم : 27 ] { وما يضل به إلا الفاسقين } [ البقرة : 26 ] على ما نبهنا عليه في المناسبات السابقة .

وقد توهم الآية أن فيها تأييسا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الكفار بسبب موقف المكابرة والعناد المتعمد ، ولسنا نرى محلا لذلك التوهم . فالآيات ظلت تتوالى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالأمر بالاستمرار في الدعوة والتذكير والإنذار رغم استمرار الكفار في عنادهم ومكابرتهم . والاستمرار في ذلك هو مهمة الرسالة العظمى التي حملها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حيث المبدأ والأصل . وهذا لا يمنع أن تكون انطوت على تسلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتطمينه وتثبيته كما هو شأن كثير من الآيات المماثلة أو المقاربة ، بل إن ذلك هدف رئيسي من أهدافها فيما هو المتبادر .

والآية في حد ذاتها تضمنت تلقينا مستمر المدى بالتنديد بكل مكابر جاحد للحق والحقيقة ، أو محرف لهما أو منحرف عنهما لاسيما إذا كان صادرا في ذلك عن هوى في النفس ومرض في القلب وخبث في الطوية وعن عمد وتصميم . وهذه صورة موجودة في كل ظرف ومكان .

هذا ، والتأويل الذي أولنا به الآية والمستلهم من مضمونها وروحها ومضمون وروح الآيات والسياق عامة يزيل ما يمكن أن يرد من وهم بكون تعبير { وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً } هو بمعنى تحتيم الضلال على الضال أو تأبيده ، وإنما هو في صدد تصوير شدة عناد الكفار وتصاممهم عن عمد وتصميم ، وفي صدد تقرير كون إضلال الله إنما ترتب على ذلك ، مع استدراك استدركناه في مناسبات سابقة وهو أن ذلك كله هو بسبيل تسجيل واقع أمر الكفار حين نزولها ، وأن التأبيد فيه قاصر على الذين يستمرون فيه حتى الموت .