اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلِ ٱللَّهُ يُحۡيِيكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يَجۡمَعُكُمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا رَيۡبَ فِيهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (26)

قوله تعالى : { قُلِ الله يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إلى يَوْمِ القيامة } .

فإن قيل : هذا الكلام مذكور لأجل جواب من يقول : { ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدَّهر } وهذا القائل ينكر وجود الإله ووجود القيامة فكيف يجوز إبطال كلامه بقوله : { الله يُحْيِيكُمْ } ؟ وهل هذا إلا إثْبَات الشيء بنفسه ، وهو باطل ؟ !

فالجواب : أنه تعالى ذكر الاستدلال بحدوث الحيوان والإنسان على وجود الإله القادر الفاعل الحكيم مراراً ، فقوله ههنا : { قل الله يُحْيِيكُمْ } إشارة إلى تلك الدلائل التي بينها وأوضحها مراراً ، وليس المقصود من ذكر هذا الكلام إثبات الإله ، بل المقصود منه التنبيه على ما هو الدليل الحق القاطع في نفس الأمر .

ولما ثبت أنّ الإحياء من الله ، وثبت أن الإعادة مثل الإحياء الأول ، وثبت أن القادر على الشيء قادر على مثله ، ثبت أن الله تعالى قادر على الإعادة ، وثبت أن الإعادة ممكنة في نفسها ، وثبت أن القادر الحكيم أخبر عن وقت وقوعها فوجب القطع بكونها حقاً . وقوله تعالى : { ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إلى يَوْمِ القيامة لاَ رَيْبَ فِيهِ } إشارة إلى ما تقدم في الآية المتقدمة ، وهو أن كونه تعالى عادلاً خالقاً منزهاً عن الجَوْر والظلم يقتضي صحة البعث والقيامة ، ثم قال : { ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ } دلالة على حدوث الإنسان والحيوان والنبات على وجود الإله القادر الحكيم ، ولا يعلمون أيضاً أنه تعالى لما كان قادراً على الإيجاد ابتداء ، وجب أن يكون قادراً على الإعادة ثانياً .