التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ} (3)

بسم الله الرحمن الرحيم

الرَّحْمَنُ { 1 } عَلَّمَ الْقُرْآنَ [ 1 ] { 2 } خَلَقَ الْإِنسَانَ { 3 } عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [ 2 ] { 4 }

في الآيات بيان لبعض نواحي عناية الله تعالى بالإنسان : فقد خلقه ممتازاً عن سائر الأحياء واختصّه بالنطق والبيان ويسّر له فهم القرآن .

وأسلوب الآيات تقريري عام موجه إلى الناس جميعا كما هو المتبادر . وقد قال المفسرون : إن اسم الرحمن هنا هو بسبيل توكيد كونه هو اسم الله تعالى وبسبيل الردّ على الكفار الذين كانوا ينكرون تسمية الله به ويتساءلون عن ذلك تساؤل المنكر المستغرب . والتعليل وجيه . وقد أشرنا إلى شيء مما كان حول اسم الرحمن في سورتي الفرقان والرعد وعلّقنا على ذلك بما يغني عن التكرار . ولعلّ بدء هذه بهذا الاسم ونسبة مشاهد الكون إليه قرينة على وجاهة هذا التعليل ووجاهة ما قيل في صدد التنديد بالكفّار لكفرهم بالرحمن على ما حكته سورتا الفرقان والرعد . ولقد ذكرت روايات ترتيب السور أن هذه السورة نزلت بعد سورة الرعد {[2104]} . ولعل مطلعها قرينة على صحة الرواية .

ولقد روى البغوي عن ابن عباس أن { الْإِنسَانَ } في الجملة تعني آدم وأن جملة { عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } تعني تعليم آدم الأسماء كلها مفضلا إيّاه على الملائكة على ما جاء في آيات سورة البقرة هذه : { وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ { 31 } قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ { 32 } } كما روى عن ابن كيسان أن { الْإِنسَانَ } تعني محمدا . وروى فيما رواه في سياق هذا القول أن الله علّم آدم اللغات جميعها حتى إنه كان يتكلّم بسبعمائة ألف لغة أفضلها العربية ! وإلى هذا فقد روى روايات أخرى منها أن { الْإِنسَانَ } تعني محمد صلى الله عليه وسلم و { عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } تعني القرآن . ومنها أن { الْإِنسَانَ } تعني الجنس البشري و{ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } تعني علّمهم النطق والكتابة والفهم والإفهام . وقد روى الطبري بعض ما رواه البغوي ثم قال : إن كون الإنسان هو الجنس الإنساني وأن معنى { عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } هو تعليمه الكلام والحلال والحرام وأمور الدنيا والآخرة هو الصواب . وهذا القول مع القول الأخير الذي يرويه البغوي هما الأكثر اتساقا مع روح الجملتين وعموم الخطاب فيهما . ويصحّ أن يضاف إليهما أن الجملتين هما بسبيل التنبيه إلى نعمة الله العظمى على الجنس البشري باختصاصه بميزة الكلام والبيان وتكامل الصقل وتيسيره له فَهْمَ ما أنزله الله . وبكلمة ثانية فتحه له آفاق العلم والمعرفة والارتفاع به إلى ذرى الكمال . وقد ينطوي فيهما دعوة للجنس البشري إلى تقدير نعمة الله عليه وشكره واستعمالها فيما فيه الخير والحق والصلاح .


[2104]:ذكر ذلك المصحف الذي اعتمدناه ثم السيوطي في الإتقان وورد في الترتيب المروي عن ابن عباس وفي ترتيب الخازن