التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (155)

أن تقولوا : لئلا تقولوا .

عن دراستهم : عن كتبهم أو لغتهم .

{ ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون ( 154 ) وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ( 155 ) أن تقولوا( 1 ) إنما أنزل الكتاب على طآئفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم( 2 ) لغافلين ( 156 ) أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف( 3 ) عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون( 157 ) } [ 154 – 157 ] .

في الآيات أولا : تقرير رباني بأن الله تعالى قد آتى موسى الكتاب تماما على الذي أحسن ومفصلا لكل ما يحتاج إليه قومه ليكون لهم فيه الهدى والرحمة فيؤمنوا بالله ولقائه وإشارة تنويهية إلى القرآن ، وتقرير كونه مباركا ودعوة العرب إلى إتباعه وتقوى الله في أعمالهم لعلهم يكونون بذلك مظهر رحمة الله أيضا .

ثانيا : تنبيه إلى أن الله قد أراد بإنزال القرآن دفع كل حجة يمكن أن يحتج بها العرب ، فلا يقولوا إن الكتب السماوية إنما نزلت على طائفتين بلسانهما وهم غافلون عن هذه الكتب ولغتها ودراستها ؛ ولئلا يقولوا كذلك إننا لو أنزل إلينا كتاب من الله بلساننا كما أنزل إليهم لكنا أهدى منهم .

ثالثا : رد على الحجج التي فرض أن العرب يتحججون بها بأنه قد جاءهم القرآن بلسانهم وفيه بينة من ربهم وهدى ورحمة . وقد زالت أسباب الاحتجاج بالغفلة عن الكتب السابقة وعدم دراستها ومعرفة لسانها . وأنه ليس بعد هذا من أحد أشد جرما وإثما ممن كذب بآيات الله وانصرف عنها ، وأن كل من يفعل ذلك سيناله من الله شديد العذاب .

وضمائر الجمع المخاطب في الآيات الثانية والثالثة والرابعة وإن كانت مطلقة فإنها عائدة على ما هو المتبادر إلى المشركين في الدرجة الأولى الذين وجه إليهم الكلام السابق . والآيات والحالة هذه متصلة بموقف المناظرة واستمرار له أو فصل من فصوله .

تعليق على الآية

{ ثم آتينا موسى الكتاب }

والآيات الثلاث التالية لها

ولقد تعددت أقوال المفسرين{[944]} في محل { ثم آتينا موسى الكتاب } فقيل : إنها معطوفة على { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } وقيل : إنها معطوفة على جملة { ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون } وقيل : إن هناك محذوفا مقدرا وهو ( ثم اتل عليهم أو ثم أخبرهم ) والإشارة إلى القرآن بعد كتاب موسى مما تكرر في أكثر من سورة ، ومن ذلك ما جاء في آيات سورة الأنعام [ 90 – 91 ] وما جاء في آية سورة هود [ 17 ] التي سبق تفسيرها .

ولقد قيلت أقوال عديدة كذلك{[945]} في تأويل جملة { تماما على الذي أحسن } فمنها : أنها بمعنى ( تام على أحسن الوجوه ) ومنها : أنها بمعنى ( تماما على الذي أحسنه موسى من العلم والشرائع ) ومنها : أنها بمعنى ( إتماما لما أحسن الله إلى موسى من نبوة وتكريم وتكليم ) والمعنى الأخير هو الأوجه على ما يتبادر لنا . وقد تبادر لنا معنى آخر وهو ( إتماما لإحسانه الذي حسنه على بني إسرائيل بالنجاة من فرعون وقومه ) . ولعل ضمير الجمع الغائب العائد إلى بني إسرائيل في الآية مما يوجه هذا المعنى .

ولقد قلنا في سياق شرح الآية { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين ( 156 ) } أنها لإزالة سبب احتجاج العرب بأن لغة الكتب المنزلة بغير لغتهم . وهذا مستلهم من آية سورة الأحقاف هذه : { ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين ( 12 ) } وآية سورة فصلت هذه : { ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد ( 44 ) } ومن آيات سورة الشعراء [ 1


[944]:انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والطبرسي وابن كثير والخازن والزمخشري.
[945]:انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والطبرسي وابن كثير والخازن والزمخشري
[946]:انظر هذه الرواية في تفسير سورة الجمعة في تفسير البغوي.