البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (155)

{ وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون } هذا إشارة إلى القرآن و { أنزلناه } و { مبارك } صفتان لكتاب أو خبران عن هذا على مذهب من يجيز تعداد الأخبار ، وإن لم يكن في معنى خبر واحد وكان الوصف بالإنزال آكد من الوصف بالبركة فقدم لأن الكلام مع من ينكر رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وينكر إنزال الكتب الإلهية وكونه مباركاً عليهم هو وصف حاصل لهم منه متراخ عن الإنزال فلذلك تأخر الوصف بالبركة ، وتقدم الوصف بالإنزال وكان الوصف بالفعل المسند إلى نون العظمة أولى من الوصف بالاسم لما يدل الإسناد إلى الله تعالى من التعظيم والتشريف ، وليس ذلك في الاسم لو كان التركيب منزل أو منزل منا وبركة القرآن بما يترتب عليه من النفع والنماء بجمع كلمة العرب به والمواعظ والحكم والإعلام بأخبار الأمم السالفة والأجور التالية والشفاء من الأدواء .

والشفاعة لقارئه وعده من أهل الله وكونه مع المكرمين من الملائكة وغير ذلك من البركات التي لا تحصى ، ثم أمر الله تعالى باتباعه وهو العمل بما فيه والانتهاء إلى ما تضمنه والرجوع إليه عند المشكلات ، والظاهر في قوله : { واتقوا } أنه أمر بالتقوى العامة في جميع الأشياء .

وقيل : { واتقوا } مخالفته لرجاء الله الرحمة وقال التبريزي اتقوا غيره فانه منسوخ وقال التبريزي في الكلام اشارة وهو وصف الله التوراة بالتمام والتمام يؤذن بالانصرام .

قال الشاعر :

إذا تم أمر بدا نقصه *** توقع زوالاً إذا قيل تم

فنسخها الله بالقرآن ودينها بالإسلام ووصف القرآن بأنه مبارك في مواضع كثيرة ، والمبارك هو الثابت الدائم في ازدياد وذلك مشعر ببقائه ودوامه .