وبمناسبة جملة { ولم نك نطعم المسكين } التي تأتي لأول مرة في الآية [ 44 ] نقول : إن الآيات القرآنية التي ذكرت المسكين والمساكين بسبيل الحثّ على البرّ بهم ومساعدتهم والعناية بهم والتنديد بمن لا يفعل ذلك قد بلغت اثنتين وعشرين منها المكي ومنها المدني ؛ حيث يبدو من ذلك مبلغ عناية الله سبحانه بهذه الطبقة منذ أوائل عهد التنزيل واستمرارها إلى نهاياته . ومما احتوى حثاً على إطعامه وتنويها بمن يفعلون وتنديداً بمن لا يفعلون آيات سورة البلد هذه : { فلا أقتحم العقبة( 11 ) وما أدراك ما العقبة ( 12 ) فك رقبة( 13 ) أو إطعام في يوم ذي مسغبة( 14 ) يتيما ذا مقربة( 15 ) أو مسكينا ذا متربة( 16 ) } ، وآيات سورة الفجر هذه : { كلا بل لا تكرمون اليتيم ( 17 ) ولا تحضون على طعام المسكين( 18 ) } ، وآيات سورة الماعون هذه التي تجعل عدم الحض على طعامهم دليلا على عدم الإيمان بالآخرة وعقاب الله . { أرأيت الذي يكذب بالدين( 1 ) فذلك الذي يدع اليتيم( 2 ) ولا يحض على طعام المسكين( 3 ) } ، وآيات سورة الحاقة هذه : { إنه كان لا يؤمن بالله العظيم( 33 ) ولا يحض على طعام المسكين( 34 ) فليس له اليوم هاهنا حميم ( 35 ) ولا طعام إلا من غسلين( 36 ) لا يأكله إلا الخاطئون( 37 ) } وآيات سورة الإنسان هذه : { ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً( 7 ) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا( 9 ) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا( 10 ) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا( 11 ) وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا( 12 ) } ( 9- 12 ) . وفي سورتي الإسراء والروم آيتان تجعل للمسكين حقاً وتوجب إعطاءه له وهذا نص آية الروم : { فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( 38 ) وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُون( 39 ) } .
وقد يتبادر إلى الذهن أن كلمة المسكين تعبر عن الطبقة الفقيرة المحتاجة ، غير أن هناك آيات تذكر المساكين مع الفقراء وآيات تذكر المساكين مع السائلين مثل آية سورة التوبة هذه : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليهما } [ 60 ] وآية سورة البقرة هذه : { وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين } [ 177 ] .
وهناك حديث فيه وصف للمسكين رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه : ( ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ، ولا يفطن له فيُتصَّدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس ){[2342]}حيث يظهر في هذا الوصف جانب من حكمة الله تعالى في ما ورد في القرآن من حض على البر بالمسكين وإطعامه والتنديد بمن لا يفعلون ذلك ؛ لأنه يصبر على العوز والحرمان ولا يسأل الناس وفي هذا ما فيه من مغزى جليل .
ولقد خصت حكمة التنزيل المسكين دون الفقير بنصيب من خمس غنائم الحرب ومن الفيء ، وهما موردان جعل للدولة حق استيفائهما وتوزيعهما على ما جاء في آية سورة الأنفال هذه : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } ( الأنفال : 41 ) . وآية سورة الحشر هذه : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } [ 41 ] ، وخصت المسكين بخاصة بطعام الكفارات كما جاء في آية سورة المائدة هذه : { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُم . . . } ( 89 ) وهذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ } [ 95 ] ، وآيات سورة المجادلة هذه : { وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ( 3 ) فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } [ 3- 4 ] . حيث تزداد تلك الحكمة وهذا المغزى روعة وجلالاً . وهذا بالإضافة إلى ذكر المسكين كصاحب نصيب مع الفقراء في مورد الزكاة الذي تستوفيه الدولة وتوزعه كذلك على ما جاء في آية سورة التوبة التي أوردناها آنفا .
ولقد روى الشيخان والترمذي عن صفوان بن سليم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( السّاعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ، أو كالذي يصومُ النهارَ ويقومُ الليلَ ){[2343]} . والحديث من ناحية يدعم الوصف الذي ورد في الحديث السابق ويتساوق مع التلقين القرآني في هذا الأمر كما هو في كل أمر .
وهناك مناسبات آتية أخرى سوف يكون لنا فيها تعليقات أخرى على هذا الأمر وأمثاله فنكتفي بما تقدم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.