تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَمۡ نَكُ نُطۡعِمُ ٱلۡمِسۡكِينَ} (44)

الآيات 43 -47 : فيقولون إذ ذاك : { لم نك من المصلين }[ { ولم نك نطعم المسكين }{ وكنا نخوض مع الخائضين }{ وكنا نكذب بيوم الدين }{ حتى أتانا اليقين } ]{[22709]} .

ألا ترى إلى قوله تعالى : { فاطلع فرءاه في سواء الجحيم } ؟ [ الصافات : 55 ] فثبت أنهم يطلعون على أماكنهم . فإذا رأوهم{[22710]} سألوهم عن ذلك بقوله تعالى : { ما سلككم في سقر } ؟ فأجابوا بما أخبر الله تعالى عنهم بقوله : { لم نك من المصلين } إلى قوله : { وكنا نكذب بيوم الدين }[ { حتى أتانا اليقين } ]{[22711]} .

والأصل أن الأفعال التي يتعلق جوازها بالإيمان ، إذا أضيفت إلى من ليس من أهل الإيمان أريد بها القبول ، وإذا أضيفت إلى أهل الإيمان أريد بها أعين تلك الأفعال .

والذي يدل على هذا ، هو أن الكافر يسلك به إلى سقر إذا كان مكذبا بيوم الدين ، وإن أقام الصلاة ، وأطعم المسكين ، لم ينفعه ذلك حتى يوجد منه الإيمان ، فثبت أنه لم يرد بذكر هذه الأفعال إتيان أعينها ، وإنما أريد بها القبول والإقرار بها .

والذي يدل على صحة ما ذكرنا قوله عز وجل : { وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه }[ يس : 47 ] فثبت أنهم جحدوا أن يكون عليهم إطعام ، فدلّ أنه أريد بذكر الإقامة قبولها لا وجود عينها ، وعليهم أن يقبلوا إقامة الصلاة ، ويقرّوا بإيتاء الزكاة .

وقد يجوز أن تذكر إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، ويراد به القبول كقوله{[22712]} تعالى : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم }[ التوبة : 5 ] ولم يكن إيجاد الإقامة وإيجاد الإيتاء من شرائط التخلية ، بل كان معناه على القبول . فإذا أقروا بالصلاة ، وقبلوا إقامتها ، وأقروا بالزكاة ، لزمت تخلية سبيلهم ، وإن لم يوجد منهم الفعل بعد .

فلذلك صلح حمل التأويل على القبول ، ولم يحمل على وجود حقيقة الفعل لما ذكرنا هذا إذا ثبت أن تأويل قوله : { لم نك من المصلين } منصرف إلى الصلاة المعروفة .

فكيف ، وقد يجوز أن يكون أريد بالمصلين الموحدون{[22713]} ههنا لأن أهل الصلاة ، هم المسلمون ؟ يقال : أجمع أهل الصلاة على هذا ، ويعنى به المسلمون .

ثم الله عز وجل جمع في الذكر بين التكذيب بيوم الدين وبين ترك الصلاة والإطعام{[22714]} ، وهذا ، والله أعلم ، يحتمل وجهين :

أحدهما : أن الذي يقر بالصلاة والإطعام وإيتاء الزكاة ، هو الذي يقر بيوم[ الدين ]{[22715]} لأن المرء إنما يرغب في فعل هذه الأشياء لما يطمع من المنافع في العواقب ، ويتقي تركها{[22716]} مخافة التبعة في العواقب .

فإذا لم يقر بيوم [ الدين ]{[22717]} لم يرج المنافع ، ولا خاف المضار ، فيحمله ذلك على ترك الإطعام وتضييع الصلاة وعلى ترك إيتاء الزكاة وعلى جحدها كلها وعدم قبولها ، وهو كقوله عز وجل : { أرأيت الذي يكذب بالدين }{ فذلك الذي يدع اليتيم }{ ولا يحض على طعام المسكين }[ الماعون : 1 -3 ] لعدم رجاء العواقب . فإذا لم ير لفعله عاقبة لم يقم بالانتصار لليتيم ، ولا قام بإحسان[ إلى ]{[22718]} المسكين ، بل تكذيبه بيوم الدين يحمله على الجور على اليتيم وترك الصلاة وإيتاء الزكاة وترك الإطعام .

[ والثاني ]{[22719]} : أن يكون الذي حملهم على التكذيب بيوم الدين هذه الوظائف التي وضعت عليهم بالإسلام لأنهم إذا آمنوا بيوم الدين لزمهم تحمل هذه الأحمال من إقامة الأفعال : إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإطعام المساكين وصيام شهر رمضان وغير ذلك من العبادات ، فاشتد عليهم ، فتركوا الإيمان بها لئلا يلزمهم تحمل هذه الأفعال التي حملها أهل الإيمان .

وقوله تعالى : { وكنا نخوض مع الخائضين } فالخائض هو الذي يخوض في الباطل .

وقوله تعالى : { حتى أتانا اليقين } أي حتى أيقنا أنا كنا على باطل في ما كنا نخوض فيه .


[22709]:في الأصل و م: إلى آخر الآية.
[22710]:في الأصل و م: رأوا.
[22711]:ساقطة من الأصل و م.
[22712]:في الأصل و م: قال الله.
[22713]:في الأصل: الموحدين، ساقطة من م.
[22714]:الواو ساقطة من الأصل و م.
[22715]:من م، ساقطة من الأصل.
[22716]:في الأصل و م:بتركها.
[22717]:من م، ساقطة من الأصل.
[22718]:ساقطة من الأصل و م.
[22719]:في الأصل و م: وجائز.