التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{صُحُفِ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ} (19)

- تزكى : تطهر أو أدى الزكاة . والمعنى الأخير هو المرجح هنا .

14

تعليق على ذكر إبراهيم وموسى

عليهما السلام وصحفهما

وإبراهيم وموسى عليهما السلام يذكران في القرآن هنا لأول مرة . ثم تكرر ذكرهما كثيراً وبحفاوة عظيمة في سور عديدة مكية ومدنية .

وقد ذكر إبراهيم عليه السلام وسيرته وأولاده وأحفاده في سفر التكوين أول أسفار العهد القديم المتداولة اليوم بشيء غير قليل من الإسهاب . ويستفاد من ذلك أنه هاجر من بلاد أور الكلدانيين أو حاران إلى أرض كنعان التي صارت تعرف بفلسطين بأمر الله عز وجل هو وزوجته ساره وابن أخيه لوط عليهم السلام . فاستقروا ونموا فيها وكانوا موحدين مخلصين لله ومحل تجلياته وعنايته وشاخ ومات ودفن وفي فلسطين .

وفي السور الأخرى شيء من سيرتهم ، منه ما يتطابق مع ما ورد في السفر المذكور ومنه ما لا يتطابق أو ما لم يذكر فيه على ما سوف ننبه عليه في مناسبات أخرى .

وفي كتب التفسير روايات كثيرة ومسهبة عنهم مروية عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم وعلماء الأخبار في الصدر الإسلامي الأول . منها المتطابق مع ما جاء في سفر التكوين ومنها غير المتطابق . وفيها على كل حال دلالة على أن ذكرهم كان متداولاً بنطاق واسع في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة ومصدر ذلك على ما هو المتبادر الكتابيون الذين كانوا في هذه البيئة وبنوع خاص الإسرائيليون الذين ينتسبون إليهم بالأبوة . على أن لإبراهيم عليه السلام مقاماً خاصاً عند العرب يأتي مما كان متواتراً حتى بلغ مبلغ اليقين من أن القرشيين والعدنانيين الذين يتفرع الأولون منهم كانوا يتداولون منهم نسبتهم بالأبوة إليه من ناحية إسماعيل ابنه البكر عليهما السلام . ونسبة الكعبة وتقاليد الحج المتنوعة إليه أيضا . وفي القرآن آيات فيها تأييد وترديد لذلك منها آيات سورة البقرة هذه : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ( 125 )وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ( 126 ) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ( 127 ) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ( 128 ) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ( 129 ) } وآية سورة الحج هذه : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ( 26 ) وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ( 27 ) } وهذه : { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ . . . } ( 78 ) .

وقد ذكر موسى في سفر الخروج ثاني أسفار العهد القديم والأسفار التالية له المتداولة اليوم بإسهاب . وهو من نسل إبراهيم على ما يستفاد من أسفار العهد القديم ومن القرآن معا . وكثير مما ورد في القرآن عنه متطابق مع ما ورد في أسفار هذا العهد ، ومنه غير المتطابق أيضا . وفي كتب التفسير روايات كثيرة عنه مروية عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم وعلماء الأخبار في الصدر الإسلامي الأول منها ما هو المتطابق مع هذه الأسفار ومنها غير المتطابق . وفيها على كل حال دلالة على أن ذكره كان متداولاً بنطاق واسع في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة . ومصدر ذلك على ما هو المتبادر الكتابيون الذين كانوا في هذه البيئة وبنوع خاص الإسرائيليون .

ونكتفي بهذه اللمحة عنه لأن ذكره هنا جاء خاطفاً وسوف نعود إلى ذكره بتوسع أكثر في المناسبات التي ذكر فيها بتوسع أكثر .

والإشارة الواردة في الآيتين الأخيرتين [ 18- 19 ] هي أولى الإشارات إلى كتب الله الأولى التي فسرت في الآية [ 19 ] بصحف إبراهيم وموسى . والإشارة خاطفة يمكن أن تؤيد أولية ذكر هذه الكتب وأسلوبها يمكن أن يدل على أن السامعين لا يجهلون أن هناك كتبا إلهية نزلت على أنبيائه ، ومنهم إبراهيم وموسى عليهما السلام . ولقد كان في الحجاز جاليات نصرانية ويهودية وكانوا يتداولون الأسفار المنسوبة إلى الله وإلى الأنبياء ولا بد من أن السامعين كانوا يعرفون ذلك من طريقهم .

والمتبادر أن المقصود من تعبير ( صحف موسى ) هو ما أوحاه الله إليه من تعليقات وتشريعات . وقد ذكر ذلك بصراحة في آيات عديدة مكية ومدنية غير أنه عبر عنه بتعبير " الكتاب " الذي أنزله الله هدى للناس وآتاه الله موسى هدى لبني إسرائيل وبتعبير التوراة التي فيها نور وهدى يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار مما أوردنا أمثلة منه في تعليق آخر في سورة المدثر .

ولقد كتب موسى عليه السلام ما بلغه الله إليه في سفر سمي التوراة وكتاب الشريعة وفي ألواح . ولكن ذلك لم يصل إلينا وكان يتداوله اليهود في الأزمنة القديمة على ما ذكر في بعض الأسفار المتداولة اليوم{[2408]} . والمتبادر أن ذلك هو ما قصد بصحف موسى .

أما ما في أيدي اليهود والنصارى اليوم مما يسمى بالعهد القديم والمؤلف من مجموعة كبيرة من الأسفار ، والتي في بعضها تشريعات وأحكام ربانية مبلغة من الله لموسى عليه السلام ومن موسى لبني إسرائيل ، والتي في بعضها تاريخ بني إسرائيل قبل موسى وبعده مع تاريخ أنبياء وأشخاص وأحداث شعوب أخرى قبله وبعده أيضا ، فإنها مكتوبة بأسلوب الحكاية وبأقلام كتاب عديدين في أزمنة مختلفة بعد موسى . وفيها كثير من التناقض والمفارقات وفيها أشياء كثيرة منسوبة إلى الله عز وجل وأنبيائه لا يمكن أن تكون صحيحة . ولا يصح أن توصف بوصف صحف موسى كما هو ظاهر . وسيأتي بيان أوفى عنها في مناسبة أخرى .

أما صحف إبراهيم فليس هناك شيء عنها إلا هذه الإشارة التي تفيد أن فيها ما قررته آيات سورة الأعلى من مبادئ وإشارة مثلها في سورة النجم مع زيادة توضيحية هذا نصها : { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى( 36 ) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى( 37 ) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى( 38 ) وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى( 39 ) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى( 40 ) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى( 41 ) } ( 36- 41 ) .

وهناك حديث طويل أورده المفسر ابن كثير في سياق تفسير الآية [ 163 ] من سورة النساء مرويا عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه : ( إن عدد الصحف المنزلة على إبراهيم عشر ) ولكن الحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة . وقد توقف بل طغى فيه بعض علماء الحديث على ما ذكره المفسر المذكور . والله تعالى أعلم .

وذكر صحف إبراهيم وموسى في مقام عرض الدعوة وأهدافها يلهم أنه بسبيل تقرير كون الدعوة المحمدية وما يبشر وينذر به النبي صلى الله عليه وسلم مما هو متطابق مع دعوة الأنبياء السابقين ، وما أنزل عليهم واستمرار له . وهذا ما تكرر تقريره في القرآن كثيراً من ذلك آية سورة الشورى هذه : { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ( 13 ) } وآيات سورة النساء هذه : { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا( 163 ) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا( 164 ) رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا( 165 ) } .

ونرجح ، بل نعتقد أنه كان في أيدي اليهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أسفار أو قراطيس فيها أخبار أخرى غير الواردة في سفر التكوين ، وهو أول أسفار العهد القديم المتداولة اليوم عن إبراهيم عليه السلام وملته كانوا يسمونها صحف إبراهيم لم تصل إلينا . ولقد ذكر في سور عديدة مثل مريم والشعراء والأنعام والأنبياء قصص رسالة إبراهيم لأبيه وقومه ، وما كان بينهم وبينه من جدل وحجاج حول عبادتهم للأصنام ، وما كان من تأجيجهم النار وإلقاء إبراهيم فيها . وهذه القصص لم ترد في سفر التكوين . ويتبادر لنا أن هذه القصص كانت في تلك الأسفار والقراطيس .

ولعل اختصاص صحف إبراهيم وموسى بالذكر في هذه السورة المبكرة متصل خاصة بما كان للنبيين الكريمين من صورة خطيرة في أذهان السامعين أكثر من غيرهما . فقد كان في الحجاز جاليات يهودية كبيرة ذات تأثير في أهلها ، وكانت توراة موسى وشريعته وقصة رسالته إلى فرعون ومعجزاته مشهورة متداولة . ولقد كان إبراهيم عليه السلام وملته الحنيفية وصلته بالكعبة وتقاليد الحج وأبوته - من طريق ابنه إسماعيل - للعدنانيين سكان الحجاز مما يشغل في أذهان العرب حيزا كبيرا مما احتوى القرآن آيات عديدة في صدده مثل آيات سورة البقرة هذه : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ( 125 ) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ( 126 ) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( 127 ) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ( 128 )رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ( 129 ) } وآيات سورة الحج هذه : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ( 26 ) وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ( 27 ) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ( 28 ) } وهذه : { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ( 78 ) } .

وفحوى الآيات يلهم بقوة أن سامعيها من العرب كانوا يعرفون كثيرا مما احتوته ونوهت به ويعتقدون به ، وهناك روايات كثيرة تؤيد ذلك{[2409]} .

ختام السورة:

دلائل أولية سورة الأعلى وصفتها .

وأسلوب آيات السورة ومضمونها ونظمها يسوغ القول بأنها من السور التي نزلت جملة واحدة ، وأنها من أوائل ما نزل ، وأنها سبقت سور القلم والمزمل والمدثر ، أو على الأقل سبقت ما جاء بعد مطالع هذه السور إذا صحت روايات أولية نزول هذه المطالع ، وسبقت كذلك آيات سورة العلق التي جاءت بعد مطلعها . ولعلها نزلت بعد سورة الفاتحة ، أو بعد مطلع سورة العلق . ويلحظ أن إحدى آيات السورة احتوت تعبير{ سنقرئك } وأن السورة بدئت بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسبيح اسم ربه الأعلى ، مما فيه شيء من التجانس بينها وبين مطلع سورة العلق ، وعلى كل حال فهي من القسم الذي كانت تعنيه تسمية القرآن في بدء الدعوة مثل سورة الفاتحة ، والذي احتوى عرض أهداف الرسالة المحمدية والدعوة إليها على ما هو المتبادر والله أعلم .


[2408]:- انظر سفر الخروج الإصحاح 24 وسفر التثنية الإصحاح 31 وسفر الملوك الثاني والإصحاح 22 وسفر نحميا الإصحاح 8.
[2409]:- انظر سيرة ابن هشام ج 1 ص 5- 13 و 237 – 247 طبعة مصطفى البابي الحلبي سنة 1355 هـ 1936م.