الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَنفَالِۖ قُلِ ٱلۡأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (1)

قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ } : فاعل " يَسْأل " يعود على معلوم ، وهم مَنْ حَضَرَ بَدْراً . و " سأل " تارةً تكونُ لاقتضاء معنى في نَفْسِ المسؤول فتتعدَّى ب " عن " كهذه الآية ، وكقول الشاعر :

سَلي إنْ جَهِلْتِ الناسَ عنَّا وعنهمُ *** فليس سواءً عالمٌ وجَهولُ

وقد تكون لاقتضاء مالٍ ونحوه فتتعدَّى لاثنين نحو : " سألت زيداً مالاً " . وقد ادَّعى بعضُهم أن السؤالَ هنا بهذا المعنى ، وزعم أن " عَنْ " زائدةٌ ، والتقدير : يسألونك الأنفالَ ، وأيَّد قولَه بقراءة سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وعلي بن الحسين وزيدٍ ولدِه ومحمد الباقر ولدِه أيضاً وولده جعفر الصادق وعكرمة وعطاء : " يسألونك الأنفالَ " دون " عن " . والصحيحُ أن هذه القراءةَ على إرادةِ حرفِ الجر . وقال بعضهم : " عن " بمعنى " مِنْ " . وهذا لا ضرورةَ تدعو إليه .

وقرأ ابنُ محيصن : " عَلَّنْفَال " . والأصل : أنه نقل حركةَ الهمزة إلى لام التعريف ، ثم اعتدَّ بالحركة العارضة فأدغم النونَ في اللام كقوله : { وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم } [ العنكبوت : 38 ] ، وقد تقدَّم ذلك في قوله { عَنِ الأَهِلَّةِ } [ البقرة : 189 ] .

والأنفال : جمع نَفَل وهي الزيادة على الشيء الواجب وسُمِّيَتْ/ الغنيمة نَفَلاً لزيادتِها على حِماية الحَوزة . قال لبيد :

إنَّ تقوى ربِّنا خيرُ نَفَلْ *** وبإذنِ الله رَيْثي وعَجَلْ

وقال آخر :

إنَّا إذا احْمَرَّ الوغَى نَرْوي القَنا *** ونَعِفُّ عند مَقاسِمِ الأنفالِ

وقيل : سُمِّيت " الأَنْفال " لأنَّ المسلمين فُضِّلُوا بها على سائر الأمم . وقال الزمخشري : " والنَّفَل : ما يُنْفَلُه الغازي ، أي يُعْطاه زيادةً على سهمه من المَغْنم " .

قوله : { ذَاتَ بِيْنِكُمْ } : قد تقدَّمَ الكلامُ على " ذات " في آل عمران . وهي هنا صفةٌ لمفعولٍ محذوف تقديره : وأَصْلِحوا أحوالاً ذاتَ افتراقِكم وذاتَ وَصْلِكم ، أو ذاتَ المكانِ المتصلِ بكم ، فإنَّ " بين " قد قيل إنه يُراد به هنا الفراقُ أو الوصل أو الظرف . وقال الزجاج وغيره : " إنَّ " ذات " هنا بمنزلة حقيقة الشيء ونفسه " وقد أوضح ذلك ابنُ عطية . والتفسير ببيان هذا أولى .

وقال الشيخ : " والبَيْنُ : الفِراق ، و " ذات " نعت لمفعول محذوف أي : وأَصْلِحوا أحوالاً ذات افتراقكم ، لمَّا كانت الأحوالُ ملابِسةً للبَيْن أُضِيْفَتْ صفتُها إليه ، كما تقول : اسْقِني ذا إنائك أي : ماءً صاحبَ إنائك ، لَمَّا لابس الماءُ الإِناءَ وُصِفَ ب " ذا " وأُضيف على الإِناء . والمعنى : اسقِني ما في الإِناء من الماء " .