الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَإِنَّ ٱلۡجَحِيمَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ} (39)

قوله : { هِيَ الْمَأْوَى } : إمَّا : هي المَأْوى له ، أو هي مَأْواه ، وقامَتْ أل مَقامَ الضميرِ ، وهو رأيُ الكوفيين . وقد تقدَّم لك تحقيقُ هذا الخلافِ والردُّ على قائلِه بقوله :

رَحِيْبٌ قِطابُ الجَيْبِ منها رَفيقةٌ *** بجَسَّ النَّدامى بَضَّةُ المُتَجَرِّدِ

إذا لو كانَتْ أل عِوَضاً من الضميرِ لَما جُمِع بينهما في هذا البيتِ . ولا بُدَّ مِنْ أحدِ هذَيْن التأويلَيْن في الآيةِ الكريمةِ لأجلِ العائدِ من الجملةِ الواقعةِ خبراً إلى المبتدأ . والذي حَسَّن عدمَ ذِكْرِ العائدِ كَوْنُ الكلمةِ وقعَتْ رأسَ فاصلةٍ . وقال الزمخشري : " والمعنى : فإنَّ الجحيمَ مَأْواه ، كما تقولُ للرجل :/ " غُضَّ الطرفَ " وليس الألفُ واللامُ بدلاً من الإِضافةِ ، ولكنْ لَمَّا عُلِمَ أنَّ الطاغيَ هو صاحبُ المَأْوى ، وأنَّه لا يَغُضُّ الرجلُ طَرْفَ غيره ، تُرِكَتِ الإِضافةُ ، ودخولُ الألفِ واللامِ في " المَأْوَى " والطَّرْفِ للتعريفِ لأنَّهما معروفان " .

قال الشيخ : " وهو كلامٌ لا يَتَحَصَّلُ منه الرابِطُ العائدُ على المبتدأ ، إذ قد نَفَى مذهبَ الكوفيين ، ولم يُقَدِّر ضميراً كما قَدَّره البصريُّون ، فرامَ حصولَ الرابطِ بلا رابطٍ " . قلت : قوله : " ولكنْ لَمَّا عُلِمَ " إلى آخره هو عينُ قولِ البصريين ، ولا أَدْري كيف خَفِيَ عليه هذا ؟