الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَآ} (30)

قوله : { بَعْدَ ذَلِكَ } : " بعد " على بابِها من التأخيرِ . ولا مُعارَضَةَ بينها وبين آيةِ فُصِّلت ؛ لأنَّه خلق الأرضَ غيرَ مَدْحُوَّةٍ ، ثم خَلَق السماءَ ، ثم دحا الأرضَ . وقولُ أبي عبيدة : " إنها بمعنى قَبْل " مُنْكَرٌ عند العلماءِ . ويقال : دحا يَدْحُوا دَحْواً ودَحَى يَدْحي دَحْياً ، أي : بَسَط ، فهو من ذواتِ الواوِ والياءِ ، فيُكتبُ بالألف والياء ، ومنه قيل لِعُشِّ النَّعامة : أُدْحُوٌّ ، وأُدْحِيٌّ ، لانبساطِه في الأرض . وقال أمية :

وبَثَّ الخَلْقَ فيها إذ دَحاها *** فهم قُطَّانُها حتى التَّنادِي

وقيل : دحى بمعنى سَوَّى . قال زيد بن نُفَيْل :

وأَسْلَمْتُ وَجْهِيْ لِمَنْ أَسْلَمَتْ *** له الأرضُ تَحْمِلُ صَخْراً ثقالاً

دَحاها فلَمَّا اسْتَوَتْ شَدَّها *** بأَيْدٍ وأَرْسى عليها الجِبالا

والعامَّةُ على نصبِ " الأرض " و " الجبال " على إضمارِ فعلٍ مفسَّرٍ بما بعده ، وهو المختارُ لتقدُّمِ جملةٍ فعليةٍ . ورَفَعَهما الحسنُ وابن أبي عبلة وأبو حيوة وأبو السَّمَّال وعمرُو بن عبيد ، على الابتداء ، وعيسى برفع " الأرض " فقط .