البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَبَتِ إِنِّي قَدۡ جَآءَنِي مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَمۡ يَأۡتِكَ فَٱتَّبِعۡنِيٓ أَهۡدِكَ صِرَٰطٗا سَوِيّٗا} (43)

وفي قوله { يا أبت } تلطف واستدعاء بالنسب .

وقرأ ابن عامر والأعرج وأبو جعفر { يا أبت } بفتح التاء وقد لحن هارون هذه القراءة ، وتقدم الكلام على { يا أبت } في سورة يوسف عليه السلام ، وفي مصحف عبد الله وا أبت بواو بدل ياء ، واستفهم إبراهيم عليه السلام عن السبب الحامل لأبيه على عبادة الضم وهو منتف عنه السمع والبصر والإغناء عنه شيئاً تنبيهاً على شنعة الرأي وقبحه وفساده في عبادة من انتفت عنه هذه الأوصاف .

وخطب الزمخشري فقال : انظر حين أراد أن ينصح أباه ويعظه فيما كان متورطاً فيه من الخطأ العظيم والارتكاب الشنيع الذي عصى فيه أمر العقل وانسلخ عن قضية التمييز كيف رتب الكلام معه في أحسن اتساق وساقه أرشق مساق مع استعمال المجاملة واللطف والرفق واللين والأدب الجميل والخلق الحسن منتصحاً في ذلك نصيحة ربه جل وعلا .

حدث أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام إنك خليلي حسن خلقك ولو مع الكفار ، تدخل مداخل الأبرار » ، كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أظله تحت عرشي وأسكنه حظيرة القدس ، وأدنيه من جواري .

وسرد الزمخشري بعد هذا كلاماً كثيراً من نوع الخطابة تركناه .

و { ما لا يسمع } الظاهر أنها موصولة ، وجوزوا أن تكون نكرة موصوفة ومعمول { يسمع } و { يبصر } منسي ولا ينوي أي ما ليس به استماع ولا إبصار لأن المقصود نفي هاتين الصفتين دون تقييد بمتعلق .

و { شيئاً } .

إما مصدر أو مفعول به ، ولما سأله عن العلة في عبادة الصنم ولا يمكن أن يجد جواباً ، انتقل معه إلى إخباره بأنه قد جاءه من العلم ما لم يأته ولم يصف أباه بالجهل إذ يغني عنه السؤال السابق .

وقال { من العلم } على سبيل التبعيض أي شيء من العلم ليس معك ، وهذه المحاورة تدل على أن ذلك كان بعدما نبىء ، إذ في لفظ { جاءني } تجدد العلم ، والذي جاءه الوحي الذي أتى به الملك أو العلم بأمور الآخرة وثوابها وعقابها أو توحيد الله وإفراده بالالوهية والعبادة أقوال ثلاثة { فاتبعني } على توحيد الله بالعبادة وارفض الأصنام { أهدك صراطاً مستقيماً } وهو الإيمان بالله وإفراده بالعبادة .