{ قَال } أي أبوه { أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم } استفهم استفهام إنكار ، والرغبة عن الشيء تركه عمداً وآلهته أصنامه ، وأغلظ له في هذا الإنكار وناداه باسمه ولم يقابل { يا أبت } بيا بني .
قال الزمخشري : وقدم الخبر على المبتدأ في قوله { أراغب أنت عن آلهتي } لأنه كان أهم عنده وهو عنده أعني وفيه ضرب من التعجب والإنكار لرغبته عن آلهته ، وإن آلهته ما ينبغي أن يرغب عنها أحد .
وفي هذا سلوان وثلج لصدر رسول الله صلى الله عليه وسلم عما كان يلقى من مثل ذلك من كفار قومه انتهى .
والمختار في إعراب { أراغب أنت } أن يكون راغب مبتدأ لأنه قد اعتمد على أداة الاستفهام ، و { أنت } فاعل سد مسد الخبر ، ويترجح هذا الإعراب على ما أعربه الزمخشري من كون { أراغب } خبراً و { أنت } مبتدأ بوجهين :
أحدهما : أنه لا يكون فيه تقديم ولا تأخير إذ رتبة الخبر أن يتأخر عن المبتدأ .
والثاني : أن لا يكون فصل بين العامل الذي هو { أراغب } وبين معموله الذي هو { عن آلهتي } بما ليس بمعمول للعامل ، لأن الخبر ليس هو عاملاً في المبتدأ بخلاف كون { أنت } فاعلاً فإن معمول { أراغب } ، فلم يفصل بين { أراغب } ، وبين { عن آلهتي } بأجنبي إنما فصل بمعمول له .
ولما أنكر عليه رغبته عن آلهته توعده مقسماً على إنفاذ ما توعده به إن لم ينته ومتعلق { تنته } محذوف واحتمل أن يكون عن مخاطبتي بما خاطبتني به ودعوتني إليه ، وأن يكون { لئن لم تنته } عن الرغبة عن آلهتي { لأرجمنك } جواب القسم المحذوف قبل { لئن } .
وقال السدي والضحاك وابن جريج : لأشتمنك .
قال الزمخشري : فإن قلت : علام عطف { واهجرني } ؟ قلت : على معطوف عليه محذوف يدل عليه { لأرجمنك } أي فاحذرني { واهجرني } لأن { لأرجمنك } تهديد وتقريع انتهى .
وإنما احتاج إلى حذف ليناسب بين جملتي العطف والمعطوف عليه ، وليس ذلك بلازم عند سيبويه بل يجوز عطف الجملة الخبرية على الجملة الإنشائية .
فقوله { واهجرني } معطوف على قوله { لئن لم تنته لأرجمنك } وكلاهما معمول للقول .
وانتصب { ملياً } على الظرف أي دهراً طويلاً قاله الجمهور والحسن ومجاهد وغيرهما ، ومنه الملوان وهما الليل والنهار والملاوة بتثليث حركة الميم الدهر الطويل من قولهم : أمليت لفلان في الأمر إذا أطلت له .
فعسنا بها من الشباب ملاوة ***فالحج آيات الرسول المحبب
وقال سيبويه : سير عليه مليّ من الدهر ، أي زمان طويل .
وقال ابن عباس وغيره : { ملياً } معناه سالماً سوّياً فهو حال من فاعل { واهجرني } .
قال ابن عطية : وتلخيص هذا أن يكون بمعنى قوله مستنداً بحالك غنياً عني { ملياً } بالاكتفاء .
فتصدعت صم الجبال لموته ***وبكت عليه المرملات ملياً
وقال ابن جبير : دهراً ، وأصل الحرف المكث يقال : تمليت حيناً .
وقال الزمخشري : أو { ملياً } بالذهاب عني والهجران قبل أن أثخنك بالضرب ، حتى لا تقدر أن تبرح ، فلان ملي بكذا إذا كان مطيقاً له مضطلعاً به انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.