البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَوۡمَئِذٖ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلۡحَقَّ وَيَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ ٱلۡمُبِينُ} (25)

وانتصب { يومئذ } بيوفيهم ، والتنوين في إذ عوض من الجملة المحذوفة ، والتقدير يوم إذ تشهد .

وقرأ زيد بن عليّ { يوفيهم } مخففاً والدين هنا الجزاء أي جزاء أعمالهم .

وقال :

ولم يبق سوى العد *** وإن دناهم كما دانوا

ومنه : كما تدين تدان .

وقرأ الجمهور { الحق } بالنصب صفة لدينهم .

وقرأ عبد الله ومجاهد وأبو روق وأبو حيوة بالرفع صفة لله ، ويجوز الفصل بالمفعول بين الموصول وصفته و { يعلمون } إلى آخره يقوي قول من قال : إن الآية في عبد الله بن أُبيّ لأن كل مؤمن يعلم { أن الله هو الحق المبين } .

قال الزمخشري : ولو قلبت القرآن كله وفتشت عما أوعد به العصاة لم تر الله عز وجل قد غلظ في شيء تغليظه في الإفك وما أنزل من الآيات القوارع المشحونة بالوعيد الشديد ، والعذاب البليغ ، والزجر العنيف ، واستعظام ما ركب من ذلك واستفظاع ما أقدم عليه ما نزل فيه على طرق مختلفة وأساليب متقنة كل واحد منها كاف في بابه ، ولو لم ينزل إلاّ هذه الثلاث لكفى بها حيث جعل القذفة ملعونين في الدارين جميعاً وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة وأن { ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم } تشهد عليهم بما أفكوا وبهتوا به ، وأنه { يوفيهم } جزاء الحق الذي هم أهله حتى يعلموا عند الله { أن الله هو الحق المبين } فأوجز في ذلك وأشبع وفصل وأجمل وأكد وكرر ، وجاء بما لم يقع في وعيد المشركين عبدة الأوثان إلاّ ما هو دونه في الفظاعة انتهى .

وهو كلام حسن .

ثم قال بعد كلام فإن قلت : ما معنى قوله { هو الحق المبين } ؟ قلت : معناه ذو الحق المبين العادل الذي لا ظلم في حكمه ، والمحقّ الذي لا يوصف بباطل ، ومن هذه صفته لم تسقط عنده إساءة مسيء ولا إحسان محسن ، فحق مثله أن يتقى وتجتنب محارمه انتهى .

وفي قوله لم تسقط عنده إساءة مسيء دسيسة الاعتزال .