فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَوۡمَئِذٖ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلۡحَقَّ وَيَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ ٱلۡمُبِينُ} (25)

{ يَوْمَئِذٍ يُوَفّيهِمُ الله دِينَهُمُ الحق } أي : يوم تشهد عليهم جوارحهم بأعمالهم القبيحة يعطيهم الله جزاءهم عليها موفراً ، فالمراد بالدّين هاهنا : الجزاء ، وبالحق الثابت الذي لا شك في ثبوته . قرأ زيد بن عليّ { يوفيهم } مخففاً من أوفى ، وقرأ من عداه بالتشديد من وفّى . وقرأ أبو حيوة ، ومجاهد { الحق } بالرفع على أنه نعت لله ، وروي ذلك عن ابن مسعود . وقرأ الباقون بالنصب على أنه نعت لدينهم . قال أبو عبيدة : ولولا كراهة خلاف الناس لكان الوجه الرفع ليكون نعتاً لله عزّ وجلّ ، ولتكون موافقة لقراءة أبيّ ، وذلك أن جرير بن حازم قال : رأيت في مصحف أبيّ { يوفيهم الله الحق دينهم } . قال النحاس : وهذا الكلام من أبي عبيدة غير مرضيّ ، لأنه احتج بما هو مخالف للسواد الأعظم ، ولا حجة أيضاً فيه ؛ لأنه لو صحّ أنه في مصحف أبيّ كذلك جاز أن يكون دينهم بدلا من الحقّ { وَيَعْلَمُونَ أَنَّ الله هُوَ الحق المبين } أي : ويعلمون عند معاينتهم لذلك ، ووقوعه على ما نطق به الكتاب العزيز : أن الله هو الحقّ الثابت في ذاته وصفاته وأفعاله . المبين : المظهر للأشياء كما هي في أنفسها ، وإنما سمى سبحانه الحقّ ؛ لأن عبادته هي الحقّ دون عبادة غيره . وقيل : سمي بالحقّ أي الموجود لأن نقيضه الباطل ، وهو المعدوم .

/خ26