فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَوۡمَئِذٖ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلۡحَقَّ وَيَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ ٱلۡمُبِينُ} (25)

{ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ } أي يوم تشهد عليهم جوارحهم بأعمالهم القبيحة يعطيهم الله جزاءهم عليها موفرا . فالمراد بالدين هنا الجزاء بالحق الثابت الذي لا شك في ثبوته ، قرئ يوفيهم من أوفى مخففا ، ومن وفّى مشددا ، وقرئ الحق بالرفع على أنه نعت الله ، وروي ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه ، وبالنصب على أنه نعت لدينهم ، قال أبو عبيدة : ولولا كراهة خلاف الناس لكان الوجه الرفع ، ليكون نعتا لله عز وجل ، وليكون موافقا لقراءة أبي ، وذلك أن جرير بن حازم قال : رأيت في مصحف أبي : يوفيهم الله الحق دينهم ، قال النحاس : وهذا الكلام من أبي عبيدة غير مرضي ، لأنه احتج بما هو مخالف للسواد الأعظم ، ولا حجة أيضا فيه ، لأنه لو صح أنه في مصحف أبيّ كذلك ، لجاز أن يكون دينهم بدلا من الحق وعن ابن عباس قال : دينهم أي حسابهم ، وكل شيء في القرآن الدين فهو الحساب وأخرج الطبراني وغيره عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ يومئذ يوفيهم الله الحق دينهم .

{ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ } أي يعلمون عند معاينتهم لذلك ، ووقوعه على ما نطق به الكتاب العزيز ، أن الله هو الحق الثابت في ذاته وصفاته ، وأفعاله { الْمُبِينُ } المظهر للأشياء كما هي في أنفسها ، وإنما سمي سبحانه الحق لأن عبادته هي الحق دون عبادة غيره ؛ وقد سمي بالحق أي الموجود لأن نقيضه الباطل ، وهو المعدوم ، وتفسيره بظهور ألوهيته تعالى وعدم مشاركة الغير له فيها ، وعدم قدرة ما سواه على الثواب والعقاب ، ليس له كثير مناسبة للمقام ، ولم يغلط الله سبحانه وتعالى ، في القرآن في شيء من المعاصي تغليظه في إفك عائشة . فأوجز في ذلك وأشبع ، وفصل وأجمل ، وأكد وكرر ؛ وما ذلك إلا ما روي عن ابن عباس من أذنب ذنبا ثم تاب منه قبلت توبته إلا من خاض في أمر عائشة ، وهذا منه تعظيم ومبالغة في أمر الإفك .

ولقد برأ الله تعالى أربعة بأربعة ، برأ يوسف بشاهد من أهلها ، وموسى بالحجر الذي ذهب بثوبه ، ومريم بإنطاق ولدها ، وعائشة بهذه الآي العظام في كتابه المعجز ، المتلو على وجه الدهر ، بهذه المبالغات ؛ فانظر كم بينها وبين تبرئة أولئك حيث لم يرض لها ببراءة صبي ولا نبي . حتى برأها بكلامه من القذف والبهتان ؛ وما ذاك إلا إظهار علو منزلة رسوله . والتنبيه على أنافة محله صلى الله عليه وآله وأصحابه أجمعين .