مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{يَوۡمَئِذٖ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلۡحَقَّ وَيَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ ٱلۡمُبِينُ} (25)

والعامل في { يَوْمَئِذٍ يُوَفّيهِمُ الله دِينَهُمُ الحق } بالنصب صفة للدين وهو الجزاء ، ومعنى الحق الثابت الذي هم أهله . وقرأ مجاهد بالرفع صفة لله كقراءة أبيّ { يوفيهم الله الحق دينهم } وعلى قراءة النصب يجوز أن يكون { الحق } وصفاً لله بأن ينتصب على المدح { وَيَعْلَمُونَ } عند ذلك { أَنَّ الله هُوَ الحق المبين } لارتفاع الشكوك وحصول العلم الضروري . ولم يغلظ الله تعالى في القرآن في شيء من المعاصي تغليظه في إفك عائشة رضي الله عنها ، فأوجز في ذلك وأشبع وفصل وأجمل وأكد وكرر ، وما ذاك إلا لأمر . وعن ابن عباس رضي الله عنه : من أذنب ذنباً ثم تاب منه قبلت توبته إلا من خاض في أمر عائشة . وهذا منه تعظيم ومبالغة في أمر الإفك . ولقد برأ الله تعالى أربعة بأربعة : برأ يوسف عليه السلام بشاهد من أهلها ، وموسى عليه السلام من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه ، ومريم رضي الله عنها بإنطاق ولدها ، وعائشة رضي الله عنها بهذه الآي العظام في كتابه المعجز المتلو على وجه الدهر بهذه المبالغات ، فانظر كم بينها وبين تبرئة أولئك ، وما ذلك إلا لإظهار علو منزلة رسوله والتنبيه على إنافة محله صلى الله عليه وسلم وعلى آله .