البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَيَدۡرَؤُاْ عَنۡهَا ٱلۡعَذَابَ أَن تَشۡهَدَ أَرۡبَعَ شَهَٰدَٰتِۭ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (8)

{ ويدرؤا عنها العذاب } أي يدفع و { العذاب } قال الجمهور الحد .

وقال أصحاب الرأي لا حد عليها إن لم يلاعن ولا يوجبه عليها قول الزوج .

وحكى الطبري عن آخرين أن { العذاب } هو الحبس ، والظاهر الاكتفاء في اللعان بهذه الكيفية المذكورة في الآية وبه قال الليث ، ومكان ضمير الغائب ضمير المتكلم في شهادته مطلقاً وفي شهادتها في قوله عليها تقول عليّ .

فقال الثوري وأبو حنيفة ومحمد وأبو يوسف : يقول بعد { من الصادقين } فيما رماها به من الزنا وكذا بعد من الكاذبين ، وكذا هي بعد من الكاذبين و { من الصادقين } فإن كان هناك ولد ينفيه زاد بعد قوله فيما رماها به من الزنا في نفي الولد .

وقال مالك : يقول أشهد بالله أني رأيتها تزني وهي أشهد بالله ما رآني أزني ، والخامسة تقول ذلك أربعاً و { الخامسة } لفظ الآية .

وقال الشافعي : يقول أشهد بالله أني لصادق فيما رميت به زوجتي فلانة بنت فلان ، ويشير إليها إن كان حاضرة أربع مرات ، ثم يقعد الإمام ويذكره الله تعالى فإن رآه يريد أن يمضي أمر من يضع يده على فيه ويقول : إن قولك وعليّ لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة من الزنا ، فإن قذفها بأحد يسميه بعينه واحد أو اثنين في كل شهادة ، وإن نفي ولدها زاد وأن هذا الولد ما هو مني ، والظاهر أنه إذا طلقها بائناً فقذفها وولدت قبل انقضاء العدة فنفي الولد أنه يحد ويلحقه الولد لأنه لا ينطلق عليها زوجة إلاّ مجازاً .

وعن ابن عباس : إذا طلقها تطليقة أو تطليقتين ثم قذفها حدّ .

وعن ابن عمر : يلاعن .

وعن الليث والشافعي : إذا أنكر حملها بعد البينونة لاعن .

وعن مالك : إن أنكره بعد الثلاث لاعنها .

ولو قذفها ثم بانت منه بطلاق أو غيره فقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه : لا حد ولا لعان .

وقال الأوزاعي والليث والشافعي : يلاعن وهذا هو الظاهر لأنها كانت زوجته حالة القذف ، والظاهر من قوله { فشهادة أحدهم } أنه يلزم ذلك فإن نكل حبس حتى يلاعن وكذلك هي ، وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه .

وقال مالك والحسن بن صالح والليث والشافعي : أيهما نكل حدّ هو للقذف وهي للزنا .

وعن الحسن : إذا لاعن وأبت حبست .

وعن مكحول والضحاك والشعبي : ترجم ومشروعية اللعان دليل على أن الزنا والقذف ليسا بكفر من فاعلهما خلافاً للخوارج في قولهم : إن ذلك كفر من الكاذب منهما لاستحقاق اللعن من الله والغضب .

قال الزمخشري : فإن قلت : لم خصت الملاعنة بأن تخمس بغضب الله ؟ قلت : تغليظاً عليها لأنها هي أصل الفجور ومتبعة بإطماعها ، ولذلك كانت مقدّمة في آية الجلد ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم لخويلة : « والرجم أهون عليك من غضب الله » .