البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلِتَصۡغَىٰٓ إِلَيۡهِ أَفۡـِٔدَةُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ وَلِيَرۡضَوۡهُ وَلِيَقۡتَرِفُواْ مَا هُم مُّقۡتَرِفُونَ} (113)

صغوت وصغيت وصغيت بكسر الغين فمصدر الأول صغوا والثاني صغا ، والثالث صغا ، ومضارعها يصغي بفتح الغين ، وهي لازمة ، وأصغى مثلها لازم ويأتي متعدّياً بكون الهمزة فيه للنقل ، قال الشاعر في اللازم :

ترى السفيه به عن كل محكمة *** زيغ وفيه إلى التشبيه إصغاء

وقال في المتعدّي :

أصاخ من نبأة أصغى لها أذنا *** صماخها بدسيس الذوق مستور

وأصله الميل يقال : صغت النجوم : مالت للغروب .

وفي الحديث : « فأصغى لها الإناء » .

قال أبو زيد : ويقال : صغوه معك وصغوه وصغاه .

ويقال : أكرموا فلاناً في صاغيته أي في قرابته الذين يميلون إليه ويطلبون ما عنده .

اقترف اكتسب وأكثر ما يكون في الشر والذنوب .

ويقال : خرج يقترف لأهله : أي يكتسب لهم ، وقارف فلان الأمر : أي واقعه وقرفه بكذا رماه بريبة ، واقترف كذباً وأصله اقتطاع قطعة من الشيء .

{ ولتصغي له أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون } أي ولتميل إليه الضمير يعود على ما عاد عليه في فعلوه ، وليرضوه وليكتسبوا ما هم مكتسبون من الآثام .

واللام لام كي وهي معطوفة على قوله غروراً لما كان معناه للغرور ، فهي متعلقة بيوحي ونصب غرور الاجتماع شروط النصب فيه ، وعدى يوحى إلى هذا باللام لفوت شرط صريح المصدرية واختلاف الفاعل لأن فاعل يوحي هو بعضهم وفاعل تصغى هو { أفئدة } ، وترتيب هذه المفاعيل في غاية الفصاحة لأنه أولاً يكون الخداع فيكون الميل فيكون الرضا فيكون الفعل فكأن كل واحد مسبب عما قبله .

وقال الزمخشري : { ولتصغي } جوابه محذوف تقديره ، وليكون ذلك جعلنا لكل نبيّ عدوّاً على أن اللام لام الصيرورة ، والضمير في { إليه } راجع إلى ما يرجع إليه الضمير في فعلوه أي ولتميل إلى ما ذكر من عداوة الأنبياء ووسوسة الشياطين أفئدة الكفار انتهى .

وتسمية ما تتعلق به اللام جواباً اصطلاح غريب ، وما قاله هو قول الزجاج ، قال : تقديره { ولتصغي إليه } فعلوا ذلك فهي لام صيرورة .

وذهب الأخفش إلى أن لام { ولتصغي } هي لام كي وهي جواب لقسم محذوف تقديره .

والله { ولتصغي } موضع ولتصغين فصار جواب القسم من قبيل المفرد فتقول والله ليقوم زيد التقدير أقسم بالله لقيام زيد واستدل على ذلك بقول الشاعر :

إذا قلت قدني قال الله حلفة *** لتغني عني ذا أنائك أجمعا

وبقوله : { ولتصغي } والرد عليه مذكور في كتب النحو .

وقرأ النخعي والجراح بن عبد الله { ولنصغي } من أصغى رباعياً .

وقرأ الحسن بسكون اللام في الثلاثة .

وقيل عنه في ليرضوه وليقترفوا بالكسر في { ولتصغي } .

وقال أبو عمرو الداني قراءة الحسن ، إنما هي { ولتصغي } بكسر الغين انتهى ، وخمرج سكون اللام في الثلاثة على أنه شذوذ في لام كي وهي لام كي في الثلاثة .

وهي معطوفة على غرور أو سكون لام كي في نحو هذا شاذ في السماع قوي في القياس قاله أبو الفتح .

وقال غيره : هي لام الأمر في الثلاثة ويبعد ذلك في { ولتصغي } بإثبات الياء وإن كان قد جاء ذلك في قليل من الكلام .

قرأ قنبل أنه من يتقي ويصبر على أنه يحتمل التأويل .

وقيل هي في { ولتصغي } لام كي سكنت شذوذاً ، وفي { ليرضوه وليقترفوا } لام الأمر مضمناً التهديد والوعيد ، كقوله : { اعملوا ما شئتم } وفي قوله : { ما هم مقترفون } أنها تفيد التعظيم والتبشيع لما يعملون ، كقوله تعالى : { فغشيهم من اليم ما غشيهم }