البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقٗا وَعَدۡلٗاۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (115)

{ وتمت كلمات ربك صدقاً وعدلاً } لما تقدّم من أول السورة إلى هنا دلائل التوحيد والنبوة والبعث والطعن على مخالفي ذلك وكان من هنا إلى آخر السورة أحكام وقصص ، ناسب ذكر هذه الآيات هنا أي تمت أقضيته وأقداره قاله ابن عباس .

وقال قتادة : كلماته هو القرآن ، وقال الزمخشري : كل ما أخبر به وأمر ونهى ووعد وأوعد .

وقال الحسن : صدقاً في الوعد وعدلاً في الوعيد .

وقيل : في ما تضمن من خبر وحكم أو فيما كان وما يكون ، أو فيما أمر وما نهى أو في الترغيب والترهيب أو فيما قال : هؤلاء إلى الجنة وهؤلاء إلى النار أو في الثواب والعقاب أو في نصرة أوليائه وخذلان أعدائه ، أو في نصرة الرسول ببدر وإهلاك أعدائه أو في الإرشاد والإضلال أو في الغفران والتعذيب ، أو في الفضل والمنع أو في توسيع الرزق وتقتيره أو في إعطائه وبلائه وهذه الأقوال أول القول فسر به الصدق والمعطوف فسر به العدل ، وأعرب الحوفي والزمخشري وابن عطية وأبو البقاء { صدقاً وعدلاً } مصدرين في موضع الحال والطبري تمييزاً وجوزه أبو البقاء .

وقال ابن عطية : هو غير صواب وزاد أبو البقاء مفعولاً من أجله وليس المعنى في { تمت } أنها كان بها نقص فكملت وإنما المعنى استمرت وصحت كما جاء في الحديث : « وتم حمزة على إسلامه » .

وكقوله تعالى : { وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم } أي استمرت وهي عبارة عن نفوذ أقضيته .

وقرأ الكوفيون هنا كلمة بالإفراد ونافع جميع ذلك { كلمات } بالجمع تابعه أبو عمرو وابن كثير هنا .

{ لا مبدل لكلماته } أي لا مغير لأقضيته ولا مبدل لكلمات القرآن فلا يلحقها تغيير ، لا في المعنى ولا في اللفظ وفي حرف أبي لا مبدل لكلمات الله .

{ وهو السميع العليم } أي السميع لأقوالكم العليم بالضمائر .