البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ فَلِلَّهِ ٱلۡحُجَّةُ ٱلۡبَٰلِغَةُۖ فَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (149)

{ قل فللّه الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين } بين { قل } والفاء محذوف قدره الزمخشري فإن كان الأمر كما زعمتم إن ما أنتم عليه بمشيئة الله فللّه الحجة البالغة عليكم وعلى ردّ مذهبكم ، { لو شاء لهداكم أجمعين } منكم ومن مخالفيكم فإن تعليقكم دينكم بمشيئة الله يقتضي أن تعلقوا دين من يخالفكم أيضاً بمشيئته فتوالوهم ولا تعادوهم وتوقروهم ولا تخالفوهم ، لأن المشيئة تجمع بين ما أنتم عليه وبين ما هم عليه ؛ انتهى .

وهذا تفسير للآية على ما تقرر قبل في الآيات السابقة من مذهب الاعتزال والذي قدّره الزمخشري من شرط محذوف و { فلله الحجة البالغة } في جوابه بعد والأولى تقديره أنتم لا حجة لكم أي على إشراككم ولا على تحريمكم من قبل أنفسكم غير مستندين إلى وحي ولا على افترائكم على الله إنه حرم ما حرمتم ، { فلله الحجة البالغة } في الاحتجاج الغالبة كل حجة حيث خلق عقولاً يفكر بها وأسماعاً يسمع بها وأبصاراً يبصر بها وكل هذه مدارك للتوحيد ولاتباع ما جاءت به الرسل عن الله .

قال أبو نصر القشيري : { الحجة البالغة } تبيين للتوحيد وإيداء الرسل بالمعجزات فألزم أمره كل مكلف ، فأما علمه وإرادته فغيب لا يطلع عليه العبد ويكفي في التكليف أن يكون العبد لو أراد أن يفعل ما أمر به مكنه ، وخلاف المعلوم مقدور فلا يلتحق بما يكون محالاً في نفسه ؛ انتهى ، وفي آخر كلامه نظر .

قال الكرماني : { فلو شاء لهداكم } هداية إلجاء واضطرار ؛ انتهى ، وهذه نزعة اعتزالية .

وقال أبو نصر بن القشيري : هذا تصريح بأن الكفر واقع بمشئة الله تعالى .

وقال البغوي : هذا يدل إنه لم يشأ إيمان الكافر .