البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَأَنۡ أَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّقُوهُۚ وَهُوَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (72)

{ وأن أقيموا الصلاة واتقوه } أن هنا مصدرية واختلف في ما عطف عليه ، قال الزجاج هو معطوف على قوله : لنسلم تقديره لأن نسلم و { أن أقيموا } .

قال ابن عطية : واللفظ يمانعه لأنّ { نسلم } معرب و { أقيموا } مبني وعطف المبني على المعرب لا يجوز لأن العطف يقتضي التشريك في العامل انتهى ، وما ذكره من أنه لا يعطف المبني على المعرب وأنّ ذلك لا يجوز ليس كما ذكر ، بل ذلك جائز نحو قام زيد وهذا ، وقال تعالى : { يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار } غاية ما في هذا أن العامل إذا وجد المعرب أثر فيه وإذا وجد المبني لم يؤثر فيه ويجوز إن قام زيد ويقصدني أحسن إليه ، بجزم يقصدني فإنْ لم تؤثر في قام لأنه مبني وأثرت في يقصدني لأنه معرب ، ثم قال ابن عطية : اللهم إلا أن يجعل العطف في إن وحدها وذلك قلق وإنما يتخرج على أن يقدر قوله : { أن أقيموا } بمعنى وليقم ثم خرجت بلفظ الأمر لما في ذلك من جزالة اللفظ فجاز العطف على أن نلغي حكم اللفظ ونعوّل على المعنى ، ويشبه هذا من جهة ما حكاه يونس عن العرب : أدخلوا الأول فالأول وإلا فليس يجوز إلا ادخلوا الأول فالأول بالنصب انتهى ، وهذا الذي استدركه ابن عطية بقوله اللهم إلا أن إلى آخره هو الذي أراده الزجاج بعينه وهو أنّ { أن أقيموا } معطوف على أن نسلم وأنّ كلاهما علة للمأمور به المحذوف وإنما قلق عند ابن عطية لأنه أراد بقاء { أن أقيموا } على معناها من موضوع الأمر وليس كذلك لأن أن إذا دخلت على فعل الأمر وكانت المصدرية انسبك منها ومن الأمر مصدر ، وإذا انسبك منهما مصدر زال منها معنى الأمر ، وقد أجاز النحويون سيبويه وغيره أن توصل أن المصدرية الناصبة للمضارع بالماضي وبالأمر ، قال سيبويه : وتقول : كتبت إليه بأن قم ، أي بالقيام فإذا كان الحكم كذا كان قوله : { لنسلم } { وأن أقيموا } في تقدير للإسلام ، ولإقامة الصلاة وأما تشبيه ابن عطية بقوله : ادخلوا الأول فالأول بالرفع فليس يشبهه لأن ادخلوا لا يمكن لو أزيل عنه الضمير أن يتسلط على ما بعده ، بخلاف أن فإنها توصل بالأمر فإذاً لا شبه بينهما .

وقال الزمخشري ( فإن قلت ) : على عطف قوله : { وأن أقيموا } ( قلت ) : على موضع { لنسلم } كأنه قيل وأمرنا أن نسلم وأن أقيموا انتهى وظاهر هذا التقدير أنّ { أنْ نسلم } في موضع المفعول الثاني لقوله : { وأمرنا } وعطف عليه { وأن أقيموا } فتكون اللام على هذا زائدة ، وكان قد قدّم قبل هذا أن اللام تعليل للأمر فتناقض كلامه لأن ما يكون علة يستحيل أن يكون مفعولاً ويدل على أنه أراد بقوله { أن نسلم } أنه في موضع المفعول الثاني قوله بعد ذلك ، ويجوز أن يكون التقدير وأمرنا لأن نسلم ولأن أقيموا أي للإسلام ولإقامة الصلاة انتهى ، وهذا قول الزجاج فلو لم يكن هذا القول مغايراً لقوله الأول : لاتحد قولاه وذلك خلف ، وقال الزجاج : ويحتمل أن يكون { وأن أقيموا } معطوفاً على { أتنا } .

وقيل : معطوف على قوله : { إن هدى الله هو الهدى } والتقدير قل أن أقيموا وهذان القولان ضعيفان جدًّا ، ولا يقتضيهما نظم الكلام ، قال ابن عطية : يتجه أن يكون بتأويل وإقامة فهو عطف على المفعول المقدّر في أمرنا ؛ انتهى .

وكان قد قدّر : وأمرنا بالإخلاص أو بالإيمان لأن نسلم وهذا قول لا بأس به وهو أقرب من القولين قبلة إذ لا بد من تقدير المفعول الثاني لأمرنا ويجوز حذف المعطوف عليه لفهم المعنى تقول : أضربت زيداً فتجيب نعم وعمراً التقدير ضربته وعمراً وقد أجاز الفراء جاءني الذي وزيد قائمان التقدير جاءني الذي هو وزيد قائمان فحذف هو لدلالة المعنى عليه والضمير المنصوب في { واتقوا } عائد على رب العالمين .

{ وهو الذي إليه تحشرون } جملة خبرية تتضمن التنبيه والتخويف لمن ترك امتثال ما أمر به من الإسلام والصلاة واتقاء الله ، وإنما تظهر ثمرات فعل هذه الأعمال وحسرات تركها يوم الحشر والقيامة .